قال العلاَّمة عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي _ مُعلِّقاً على ذلك _: " كان الأعمش _ رحمه اللَّه _ كثيرَ الحديثِ، كثيرَ التَّدليسِ، سمع كثيراً من الكبارِ، ثمَّ كان يسمعُ من بعضِ الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار فيُدلِّسها عن أولئك الكبار، فحديثه الَّذي هو حديثه هو ما سمعه من الكبار، فمعنى قول سفيان: (ليس هذا من حديثه) أنَّه ليس من حديثه عمَّن سمَّاه، وإنَّما سمعه مِنْ بعض مَنْ دونه فدلَّسه " (56).
وقال أبو بكرٍ المرُّوْذيُّ: " وذُكِرَ له التَّدليسُ _ أي للإمام أحمد _ فقال: قد دلَّسَ قومٌ، وذكر الأعمش " (57).
وأخرج الحاكمُ من طريق أبي عَوَانَةَ، عن الأعمش، عن إبراهيم التَّيْميِّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍّ؛ أنَّ النَّبيَّ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ قال: " فلانٌ في النَّارِ يُنادي: يا حنَّان، يا منَّان ".
قال أبو عَوَانَةَ: " قلت للأعمش: سمعت هذا من إبراهيم؟ قال: لا؛ حدَّثني به حكيم بن جبير عنه " (58).
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهْديٍّ:" سألتُ سفيانَ عن حديثِ الأعمشِ، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه؛ قال: (لا يزال الرَّجل في فسحةٍ من دينه ما لم يسفك دماً حراماً)؟ فأنكر أنْ يكون عن أبي وائل؛ وقال: إنَّما سمعه من عبد الملك بن عمير أنا ذهبت به إليه " (59).
وأخرجَ أبو داودَ في " سننه " (رقم:204) _ واللَّفظُ له _، وابنُ ماجة في " سننه " (رقم:1041) من طريق الأعمش، عن أبي وائلٍ؛ قال: قال عبد اللَّه: " كنَّا لا نتوضَّأُ من مَوْطىءٍ، ولا نكُفُّ شَعْراً ولا ثَوْباً ".
قال الإمامُ أحمدُ: " كان الأعمش يُدلِّسُ هذا الحديث، لم يسمعه من أبي وائلٍ، قال مهنَّا: فقلت له: عمَّن هو؟ قال: كان الأعمش يرويه عن الحسن بن عمرو الفُقَيميِّ عن أبي وائلٍ، فطرح الحسن بن عمرو، وجعله عن أبي وائلٍ، ولم يسمع منه " (60).
وقال يعقوب بن سفيان: " أجمع أصحابنا أنَّ أبا نُعيمٍ غاية في الإتقانِ والحفظ وأنَّه حجَّة، وكذلك كان سفيان الثوريُّ في زمانه، وأبو إسحاق رجلٌ من التَّابعين، وهو ممَّن يعتمد عليه النَّاس في الحديث هو والأعمش، إلاَّ أنَّهما وسفيان يُدلِّسون، والتَّدليس من قديمٍ " (61).
وقال ابنُ أبي حاتمٍ سمعت أبي يقول: " لم يسمع الأعمش من أبي صالح مولى أُمِّ هانىء، قيل له: إنَّ ابنَ أبي طيبة يُحدِّثُ عن الأعمش، عن أبي صالح مولى أُمِّ هانىء؟ فقال: هذا مُدلَّسٌ عن الكَلْبيِّ " (62).
وقال ابنُ أبي حاتمٍ _ أيضاً _: " وسُئل أبي عن الأعمش ومنصور؟ فقال: الأعمش حافظٌ يُخلِّطُ ويُدلِّسُ، ومنصورٌ أتقنُ، لا يُدلِّسُ ولا يُخلِّطُ " (63).
وقال أبو زُرْعةَ: " الأعمشُ ربَّما دلَّسَ " (64).
وقال أبو الفضلِ بنُ عمَّار _ الشَّهيد _: " والأعمشُ كان صاحبَ تدليسٍ، فربَّما أخذ عن غير الثِّقات " (65).
وقال ابنُ خُزيمةَ: " الأعمشُ مُدلِّسٌ " (66).
وقال ابنُ حِبَّانَ: " رأى أنساً بمكة وواسط، وروى عنه شبيهاً بخمسين حديثاً، ولم يسمع منه إلاَّ أحرفاً معدودة، وكان مُدلِّساً " (67).
وقال أيضاً _ في ترجمة طلحة بن نافع المكيِّ _: " وكان الأعمشُ يُدلِّسُ عنه " (68).
وأخرج الحاكمُ من طريق الأعمش، عن أبي صالح _ ذكوان _، عن أبي هريرة؛ قال: ذكرنا ليلة القدر؛ فقال رسول اللَّه _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _: " كم مضى من الشَّهرِ؟ " قلنا: ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، فقال: " مضى ثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها اللَّيلة؛ الشهر تسع وعشرون ".
قال الحاكمُ: " لم يسمع هذا الحديث الأعمش من أبي صالح، وقد رواه أكثر أصحابه عنه هكذا منقطعاً "، ثمَّ روى بإسناده من طريق أبي مسلم عبيد اللَّه بن سعيد، عن الأعمش، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ بمثلِهِ (69).
وقال أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ: " وقد يُدلِّسُ الأعمش في أشياء " (70).
وقال الإمامُ الذَّهبيُّ: " قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه، وروى عنه، وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى على معنى التَّدليسِ، فإنَّ الرَّجلَ مع إمامته كان مُدلِّساً " (71).
وقال _ أيضاً _: " ما نقموا عليه إلاَّ التَّدليس " (72).
ب _ تدليسُ التَّسويةِ:
¥