قال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ: " وسمعت يحيى _ وسُئل عن الرَّجلِ يُلْقي الرَّجلَ الضَّعيفَ من بين ثقتين، يُوصل الحديثَ ثقةً عن ثقةٍ؛ ويقول: أُنْقِصُ من الحديثِ، وأَصِلُ ثقةً عن ثقةٍ، يُحَسِّن الحديث بذلك؟ _ فقال: لا يفعل، لعلَّ الحديث عن كذَّاب ليس بشيءٍ، فإذا هو قد حسَّنه وثبَّته، ولكن يُحدِّثُ به كما رُوِي.
قال عثمان: وكان الأعمش ربَّما فعل ذلك " (73).
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ- مُعقِّباً -: " ظاهر هذا تدليس التَّسوية، وما علمت أحداً ذكر الأعمش بذلك؛ فيُستفادُ " (74).
وقال الخطيبُ البغداديُّ: " وربَّما لم يُسقط المُدلِّس اسم شيخه الذي حدَّثه؛ لكنَّه يُسقط ممَّن بعده في الإسناد رجلاً يكون ضعيفاً في الرِّواية، أو صغير السِّنِّ ويحسن الحديث بذلك، وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوريُّ وبقيَّة بن الوليد يفعلون مثل هذا " (75).
يقول البقاعيُّ: " سألت شيخنا _ يريد به الحافظَ ابنَ حَجَرٍ _:هل تدليس التَّسوية جرح؟ قال: لا شكَّ أنَّه جرح، فإنَّه خيانة لمن يُنقل إليهم وغرور، فقلت: كيف يُوصف به الثوريُّ والأعمشُ مع جلالتهما؟ فقال: أحسن ما يُعتذر به في هذا الباب أنَّ مثلهما لا يفعل ذلك إلاَّ في حقِّ من يكون ثقة عنده ضعيفاً عند غيره " (76).
• مثالٌ على هذا النَّوعِ من التَّدليسِ:
قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: " وأصحُّ ما ورد في ذمِّ بيع العِينَةِ ما رواه أحمد، والطبرانيُّ من طريق أبي بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر؛ قال: أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنَّه أحقّ بالدِّينار والدِّرهم من أخيه المسلم، ثمَّ أصبح الدِّينار والدِّرهم أحبّ إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت رسول اللَّه _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ يقول: " إذا ضنَّ النَّاسُ بالدِّينارِ والدِّرهمِ، وتبايعوا بالعِينَةِ، وتبعوا أذنابَ البقرِ، وتركوا الجهادَ في سبيل اللَّه؛ أنزل اللَّهُ بهم ذُلاًّ فلم يرفعه عنهم حتَّى يُراجِعوا دينهم ".
صحَّحه ابنُ القطَّان بعد أنْ أخرجه من " الزُّهد " لأحمد، كأنَّه لم يقف على " المُسْنَد "، وله طريق أخرى عند أبي داود، وأحمد _ أيضاً _ من طريق عطاء الخُراسانيِّ، عن نافع، عن ابن عمر.
قلت _ أي الحافظ ابن حَجَرٍ _: وعندي أنَّ إسناد الحديث الَّذي صحَّحه ابنُ القطَّانِ معلول؛ لأنَّه لا يلزم من كون رجاله ثقات أنْ يكون صحيحاً؛ لأنَّ الأعمش مُدلِّسٌ، ولم ينكر سماعه من عطاء، وعطاء يحتمل أنْ يكون هو عطاءٌ الخُراسانيُّ، فيكون فيه تدليس التَّسْوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر، فرجع الإسناد الأوَّل، وهو المشهور " (77).
قلت: ويُحتمل أنْ يكون عطاء الخُراسانيُّ هو الَّذي دلَّسه، فقد وصفه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في " التقريب " بالإرسالِ والتَّدليسِ (78).
أمَّا قول الأخ مشهور بن حسن السَّلمان: " ولم يقل أحدٌ إنَّ الأعمش يُدلِّسُ تدليس التَّسْوية " (79)؛ فيُردُّ عليه بما ذكرناه آنفاً عن عثمان الدَّارميِّ والخطيبِ البغداديِّ.
ثانياً: تدليسُ الشُّيوخِ
يقول الحافظُ ابنُ الجوزيِّ: "وقد كان قومٌ يُدلِّسونه _ يعني أبا اليقظان عثمان بن عمير الكوفيَّ _؛ فكان الثوريُّ يقول: أبو اليقظان فحسب، وكان الأعمشُ يقول: عثمان بن قيس " (80).
• حكم رواياته المُعَنْعَنَة:
قال يعقوب بن سفيان الفَسَويُّ: " حديث سفيان، وأبي إسحاق، والأعمش ما لم يُعلم أنَّه مُدلَّسٌ يقوم مقام الحُجَّة، وأبو إسحاق والأعمش مائلان إلى التَّشيُّعِ " (81).
وقال أبو داود: " سمعت أحمد سُئل عن الرَّجلِ يُعْرَفُ بالتَّدليسِ؛ يُحتجُّ فيما لم يقـ[ـل فيه: سمعت]؟ قال: لا أدري، فقلت: الأعمش متى تُصاد له الألفاظ؟ قال: يضيق هذا _ أي أنَّك تحتجُّ به _ " (82).
¥