وصله محمد بن الفضل بن نظيف -في حديثه عن أبي الفوارس الصابوني وغيره من الشيوخ (25/ترقيم جوامع الكلم) -، قال: ثنا العباس بن محمد، ثنا هلال بن العلاء، ثنا سليمان بن عبيدالله، ثنا عبيدالله، عن زيد، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "معقبات لا يخيب قائلهن: تسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر الله أربعًا وثلاثين".
وفي الإسناد غير واحد تُكُلِّم فيه: العباس بن محمد الرافقي، وسليمان بن عبيدالله، وعبيدالله بن عمرو الرَّقِّيَّان.
فلا يصح إذن عن زيد بن أبي أنيسة.
وهذا هو الصواب أن رواية شعبة موقوفة،هكذا أخرجه الطيالسي في "مسنده" (142/ 1060): حدثنا وكيع عن شعبة به، وعلقه الترمذي
إنما قال الطيالسي: حدثنا شعبة ... مباشرة، والطيالسي لا يروي عن شعبة بواسطة.
وإنما أراد الشيخ: أن ابن أبي شيبة أخرجه في مصنفه (29253)، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة ...
لكن لا يخفى أن له حكم الرفع ولا سيما وقد رفعه الثقات، ولا يضرهم أن منصور بن المعتمر أوقفه عند المؤلف وغيره، لما ذكرت، على أنه قد أختلف عليه فرفعه عنه بعضهم عند الطبراني (259)، وعلقه الترمذي أيضاً.
أما الخلاف على منصور، فحقيقته خلافٌ على الثوري الراوي عنه.
حيث رواه عبدالرزاق عنه موقوفًا -كما بيَّن الشيخ ونبَّه-، ورواه قبيصة بن عقبة عن الثوري به مرفوعًا، وهو ما أخرجه الطبراني في الموضع الذي أشار إليه الشيخ، وغيرُه.
وعبدالرزاق لا يقارن في ثقته بقبيصة، ولقبيصة أغلاط عن الثوري، ورواية عبدالرزاق هي الراجحة.
ومن ثم فلا يؤثر الخلاف على منصور، وقد رواه عنه موقوفًا -إلى جانب الثوري-: زهير، وأبو الأحوص، وجرير.
وتابعه على الوقف: شعبة بن الحجاج.
وقد رفعه بعض الرواة عن الحكم بن عتيبة، وهنا بيان حول رواياتهم:
1 - عمرو بن قيس الملائي:
رواه أسباط بن محمد، عن عمرو بن قيس، به.
وأسباط بن محمد متكلَّم فيه، ولعله صدوق له أوهام عن الثوري خاصة، وقد يهم عن غيره.
2 - مالك بن مغول:
رواه ابن المبارك وجماعةٌ عن مالك، عن الحكم؛ مرفوعًا.
إلا أن أبا زرعة الدمشقي أخرجه في الفوائد المعللة (49) قال: نا أبو نعيم، نا مالك بن مغول، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيت كعب بن عجرة، قال: ألا أهدي لك هدية؟ جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: السلام عليك فقد عرفناه -أو: علمناه-، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "تقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، وقال ابن أبي ليلى: علَّمَنا معهن: معقبات لا يخيب قائلهن -أو فاعلهن-: ثلاث وثلاثون تسبيحة في دبر كل صلاة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة.
وهذا سياق تامٌّ لأبي نعيم عن مالك بن مغول، وفيه قصة وتفصيل، وقوله: (علَّمَنا معهن ... ) المراد به -فيما هو ظاهر-: كعب بن عجرة -رضي الله عنه-، وهذا يفيد أن هذه الرواية موقوفة.
ويبدو أن مالك بن مغول ساق هذه الرواية هكذا، فظنَّ الرواة عنه أن ذلك تبعٌ للحديث المرفوع، فرووه مرفوعًا، والله أعلم.
3 - حمزة الزيات:
وحمزة صدوق له أوهام.
4 - محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى:
وهو ضعيف سيئ الحفظ.
5 - أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي:
وهو متروك الحديث.
6 - زيد بن أبي أنيسة:
وقد سبق بيان ضعف روايته.
وقد رواه ليث بن أبي سليم، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى؛ مرسلاً، وليث متكلَّم فيه، ولعله قصَّر به لعدم ضبطه له.
ومن ثم؛ فقد تبيَّن أن في جميع روايات من رفعه بعضَ النظر؛ لكلامٍ فيهم أو فيمن رواه عنهم، أو لاختلافٍ عليهم.
وأما من وقفه؛ فمنصور وشعبة، اتفقا على وقفه اتفاقَ الثقات الحفاظ؛ فمنصور ثقة ثبت متقن، كان يقارَن بالحكم نفسه، وربما فُضِّل عليه، وشعبة من أثبت الناس في الحكم، ولولاه لذهب حديث الحكم.
ووقف الحديث هو ما رجَّح الحافظ أبو الحسن الدارقطني، قال -في التتبع (ص239، 240) -:
(وأخرج مسلم من حديث الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب مرفوعًا: "معقبات لا يخيب قائلهن ... "، من حديث مالك بن مغول وعمرو بن قيس وحمزة الزيات.
¥