دَقَائقُ مَعدُودَة فِي حَالِ النُّعمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ
ـ[أبو همام السعدي]ــــــــ[25 - 03 - 10, 05:47 م]ـ
(دَقَائقُ مَعدُودَة فِي حَالِ النُّعمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ)
أبو حنيفة النعمان بن ثابت –رحمه الله– (80هـ-150هـ) وعمره سبعون سنة, أخر أقدم الأئمة الآربعة وفاةً, إمام أهل العراق, فحلٌ كوفي تيمي من رهط حمزة الزيات, وكان خزازا يبيع الخز. كان إماما ورعا عالما عاملا متعبدا كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان بل يتجر ويتكسب.
صاحب مدرسة فقهية كبيرة لها وقعها الكبير قديماً و حديثاً. وقد اختلفوا أهو معدودٌ من التابعينَ أو من أتباع التابعين؟ -قولان مشهوران-.
قال الذهبي –رحمه الله-: رَأَى: أَنَسَ بنَ مَالِكٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الكُوْفَةَ، وَلَمْ يَثبُتْ لَهُ حَرفٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم. وَرَوَى عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ، وَأَفْضَلُهُم - عَلَى مَا قَالَ. اهـ.
قال حمزة السهمي: وسئل الدار قطني -وأنا أسمع- عن سماع أبي حنيفة يصح قال: لا ولا رؤية ولم يلحق أبو حنيفة أحدا من الصحابة. (سؤالات السهمي) (1/ 263).
وقد اختار ابن تيمية كثيراً من أقواله، وهو من أذكياء العالم، لا يستريب في هذا أحد, وأبو حنيفة هو إمام علم في الفقه والاستنباط، وإمام في الزهد والورع. ولا يعيبه أن تكون بضاعته في الحديث مُزجاة، أو أنه لم يُذكر في عداد أهل الصناعة والدراية. ومن قال ذا يعيبه؟ فهذا الشأن لكل من انصرف لفن دون آخر.
(إمامَتُهُ فِي الفِقْهِ وَإبْداعُه فِي الرَّأيِ)
قال الشافعي: «من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة». وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6
404): قال حفص بن غياث: «كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل».
قال أبو نعيم: كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل.
وقال الذهبي عنه: «برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه، وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال، وتخرج به الأصحاب». ثمَّ قال: «وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة، وقيام الليل رضي الله عنه». ويروى عن سفيان الثوري –كما في الفقيه والمتفقه (2
73) – قوله: «كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه».
- وأما إمامته في الرأيِ ففيه خلاف بين أهل الحديث خصوصا فقد قال الإمام الدار قطني: أبو حنيفة إمام أهل الرأي.
وقال الذهبي في السير (11/ 475): وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ.
قال القطان "خلاص التذهيب": لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة.
زقال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (1/ 505) قال: قال أبو نعيم أنا أكبر من رأي أبا حنيفة. اه يعني أن رأي أبي حنيفة محدَث.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا أحمد بن سنان الواسطي قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أشبه رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحارة تمده هكذا فيجيء أحمر وتمده هكذا فيجيء أخضر.
(دَرَجَة الإِمَامِ أبُو حَنِيفَةَ عِندَ أهْلِ الحَديثِ إِجْمَالاً)
أولاً: بالغ بعض الأحناف في توثيق أبي حنيفة، بل تجاوزوا إلى أن قالوا: بأنه فوق التوثيق، وهو ناقد. وهذه ليس بأوّل مرة, ألا ترى قولُ أحدهم –مما يدل على غلوهم المحدق-:
فعلنةُ ربنا عداد رملٍ ... على من رد قول أبي حنيفة!
وعليهُ أقول كما قال بعضهم أنه لا يستدلّ على توثيقه وعدالته بما قاله الحافظ الذهبي في "تذكرة الحافظ": الإمام الأعظم, فقيه العراق .... روى ... الخ. فليسَ له علاقةٌ في تعديله وتوثيقه –وإن ذكره الحافظ في كتابه- إذ –كما سيأتي- جمهور العلماءِ على تضعيفه في الحديثِ!! (أو) ذكر توثيق ابن معين في السير ثم يخلص النتيجةَ!! (أو) ذكره أن أصل التضعيف والخلاف إنما هو ناشئٌ في الشجار بين أهلِ الحديث وأهل الرأي!!.
ثانيا: اتُفقَ أنّ الإمام أبو حنيفة من المقلّين في الروايةِ , وأنَّ تجرحه لا يعادل توثيقه من خلال كلام الأئمة النقّاد, بل قد حكى ابن أبي داود الإجماعَ على تجريحِه.
¥