تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فدعوني فقد رضيت كتابي ........... عوضا لي عن أنس كل أنيس

56

الخلاف بين الخصمين إذا كان في الأمور الخفية لم يحسن من واحد منهما أن يتهم الآخر بالعناد والعصبية ووجب اجتناب ما يدل على ذلك من التلون في العلل وإنكار المعلومات لإقامة الجدل، فإن حصل الاتفاق مع لين الجانب وسهولة الأخلاق وإلا احتاجا إلى حاكم يقطع الشجار غير متهم بشيء من الجهل والهوى والاستكبار، والاغترار بالطبع المجبول على الاحتقار بمن جاء بما فيه أدنى استنكار. ألا ترى أن داود عليه السلام لما أخطأ في التأويل. وكان هو الحاكم والمرجوع إليه في التنزيل علم الرب اللطيف سبحانه وتعالى أنه قد تعذر على خصمه التوسل إلى عتابه والتوصل إلى الانتصاب من عزيز جنابه فأرسل الله تعالى ملائكته فتلطفوا حتى يحكم بالظلم على من فعل مثل فعله وانطلق بالتصريح بذلك مسرعا إليه بمحض عقله وعدله، ولو سئل عن ذنبه بالتصريح ولم يتوسل إليه بذلك التدريب والتلويح، عارضه بما علق بطباعه من تمهيد لعذره بالتأويل المرجح له ما كان من أمره فلم يؤمن أن يبطئ بالإقرار ولا يبادر بالاعتراف حق البدار.

وأصرح من ذلك وأولى بالاعتبار ما قصه الله سبحانه علينا من استنكار كليمه لما فعله الخضر عليهما السلام بعد الأخبار والأعذار على أن المخبر له بتفضيل الخضر عليه السلام هو الصادق الذي لا يجوز عليه الخلف في الأخبار، ما ذلك إلا لغلبة الطبع البشري لما يطرأ عليه من المعارف المخالفة لحيلته البعيدة عن مألفه وعادته، فكيف لا يتهم المصنف نفسه ويوقظ للاحتراز من هذا الطبع القوي حسه، ولا يأنف إن طلبت منه البينة على أقواله والمحاكمة إلى خير أجناسه وأمثاله.

57

فلم يكن في بقاء كل على حجته بعد سماع حجة خصمه ما يدل على عناد، ولا أطالوا الخوض في المراء على جهة اللجاج ولا على جهة الاسترشاد.

أما المراء فإنه لا خير فيه لأنه اسم لما نظن أنه يفيد، وأما الاسترشاد فإنه عبارة عن طلب الرشاد، وهو يحصل في الظنيات بأول أمارة، والإشارة تغني فيه عن تطويل العبارة، والمراد من كل واحد ما قوي في ظنه ورجح في فهمه والنكير عليه بعد إبدائه لمستنده وإبقائه عليه خروج عن منهاج السلف الصالح ومخالفة لإجماعهم العقلي في هذه المسالك، وقد يقوم الود والعدل والتناصف والعقل إذا صفت مواردها عن أكدار المعاوضات، وأشرب الخصمان حب النظافة من رذائل القرائن المنفردات مقام الحاكم العادل الجامع الكامل فلا ينبغي حينئذ أن يكون أحدهما صاحب قطيعة ولا ريبة فضلا عن أن يكون صاحب بغض وغيبة، ولا يكون أحدهما صديقا لعدو ولا عدوا لصديق ولا مجهول الخبرة محتاجا إلى تعديل وتوثيق ولا منقطعا إلى خصوم صاحبه في ليله ونهاره ومحله وقراره وتدريبه في العلم وإنظاره.

58

وقرينة هذا [الميل القلبي بأول عارض] أنك ترى الطائفة العظيمة في الأزمان الطويلة على مذهب بعض المتكلمين في المشكلات الدقيقة والمعضلات العويصة لا يخالفه منهم ناظر مدقق ولا يميل عنه في جميع خفيات مداركه محقق، مع مخالفة من هو أعلم منهم له وأخَصُّ به كوالده الشيخ أبي علي فإنه كثير الخلاف لولده الشيخ أبي هاشم ما ذاك إلا لخروج شائبة التقليد من بينهما، ودخولها من غير شعور على من دوهنهما. ولذلك ترى أكابر العلماء الشيوخ يختلفون كثيرا، وألوف الألوف من الأتباع على منهج رجل واحد لا يخالفونه يسيرا بل يجتمعون على لوم من خالفه وذم من نازعه.

واعلم يا ولدي أني كنت مثلك طالب علم صغير السن كثير الجدل قليل التجارب، وما كنت مثلي طالب سلامة كبير السن قليل الجدل طويل التجارب، وأعني بقولي طالب سلامة أني غير ملتفت إلى غيرها من الفوائد على حد قول القائل: (رضيت من الغنيمة بالإياب) ولذلك قيل (طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم) والمجرب لا يعدل بالسلامة ولا يرتاع من عدوان الظلامة والملامة.

ومن كملت فيه النهى لا يسره ........... نعيم ولا يرتاع للحدثان

فأنت في مناظرتك تطلب مني تجريب المجرب، وما لي داع بعد تقديم تجربتي إلى تجريب لولا محبة الإسعاف لك على سبيل التقرب إلى الله / تعالى والتقريب. وربما انتفع غيري وغيرك بما دار بيني وبينك وقد أحسن من قال في طلب المآرب:

أرى غفلات العيش قبل التجارب

وسوف إن طال بك الزمان وجمعت بين البرهان والقرآن والإخبات إلى الرحمن والزيادة في الإيمان تذكر ما قلته لك من الفرق بين الحالين والتمييز بين المقامين وهذا مقام لا دليل فيه إلا التجربة المنزهة معارفها عن طرو الشبه، وهو مقام الرياضات والتجريبات وهو أحد أقسام العلوم الضروريات والمدارك العقليات، يختص بعضها بمن اختص به من العقلاء كبعض المتواترات والكلام في هذه الأمور وإن طال فهو مناسب لمقتضى الحال

60

فإن للام أربعة معان مشهورة عند أهل العربية والمعاني والبيان وأوضحها وأشهرها وأثبتها وأكثرها (إفادة العهد) الذي قصدته في أبياتي

[يقصد:

أصول ديني كتاب الله لا العرض ........... وليس لي في أصول بعده غرض

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير