فعلل الشاعر خروج ورقة البنفسج الى الخلف .. باعتباره عقوبة له على افترائه .. عندما زعم انه يشبه المحبوب المتغزل به ...
ولا ريب ان هذا الكذب"الشعري" لا يجوز فى القرآن ....
ومن هذا السبيل ايضا .... ما سماه اهل البديع .. ب"تجاهل العارف"ومعلوم انه لا يجوز فى القرآن لاستحالة التجاهل على الله تعالى ..
وقد فطن الامام الشنقيطي الى ان السكاكي فطن لهذا فعدل عن لفظ التجاهل وسماه "سوق المعلوم مساق غيره لنكتة"ليدخل فيه مواضع من القرآن زعم انها منه ...
وعبارة الجمهور بلفظ التجاهل ولا تخفى استحالته على الله تعالى ... (الا تصل احيانا رغبة الانتصار للمذهب الى حدود الاقتراب من اقتراف الغش .. فهل كان المظنون عند السكاكي ان تغيير التسمية يكفي لتسويغ الباطل؟؟؟)
ثم ساق الشنقيطى وجوها اخرى من البلاغة مطلوبة عند الشعراء والادباء .. لكنها لا تقبل فى القرآن ... فثبتت سقوط دعوى ان كل ما يجوز فى اللغة العربية جاز فى القرآن العظيم ....
أما الدليل الثاني الذى اورده السيوطي ... فلم اجد من رد عليه ... لكن الحقيقة حجته ضعيفة جدا .... فقوله:"وهذه شبهة باطلة ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن."هو نفسه شبهة باطلة ...
ونرد عليه بما يلي: انت نفسك لا تنكر وجود الحقيقة فى القرآن ... فيلزم على رأيك ان يكون فيه شطر غير حسن ... وهذا هو مفهوم قوله بلا ريب ...
ويلاحظ ايضا ان السيوطي -غفرالله له-تحاشى فى النص السابق الرد على من قال ان المجاز كذب ... واورد شبهته تلك مع ضعفها ... فبقيت دعوى الكذب قائمة ... وان حاول غيره الرد عليها ولكن الحقيقة لم يأتوا بشيء ....
تقسيم اللغة الى حقيقة ومجاز .... يثير الشك فى المجاز بالنظر المجرد الى الاصطلاح .... فهو قسيم اي مقابل للحقيقة .... ومما يقابل الحقيقة ... الباطل ... والكذب ... والبهرج .. والزيف ... فيكو ن المجاز .. منتميا لا محالة الى هذا الحقل الدلالي ... الذي ينفر منه الانسان السوي ... ومن ثم يدرك تهافت تعبير السيوطي ... السابق .. عندما جعل المجاز مقترنا بالحسن .... وهو فى الوقت ذاته ضد الحقيقة ... الا ان يكون المجاز له وجه داخلي هو الباطل او الكذب .... او اي معنى يقترح ضدا للحقيقة .. ووجه خارجي هو الحسن والبلاغة والرونق الخ .... فيكون وضع المجاز .. قلق جدا ... متنازع فيه اشد التنازع ... فبينا هو من وجهة نظر اخلاقية .. كذب ممجوج .... اذا هو من وجهة نظر جمالية حسن منشود ... والفصل بين وجهتي النظر هاتين .... هو من شأن العلمانيين ...
لا من ديدن المسلمين .... ف"خضراء الدمن .... "مستقبحة شرعا ... رغم الاعتراف بلونها وظاهرها البهيج .... وكذلك المجاز .. يستحق ان يوصف ب"خضراء الدمن" .... كما استحق من قبل اسم "الغول" ...
ولكن علينا ان نثبت اولا ان المجاز كذب ....
اولا:ان وضع المجاز فى مقابل الحقيقة .... فيه اقرار بمعنى الكذب ... والا فماهذا الذي يكون ضد الحق ...... ولهذا الامر انشغل البلاغيون ... بمصطلح "حقيقة" لكنهم لم يوردوا كل معانيها .. لحاجة فى انفسهم قال الخطيب فى الايضاح:"الحقيقة إما فعيل بمعنى مفعول من قولك حققت الشيء أحقه إذا أثبته أو فعيل بمعنى فاعل من قولك حق الشيء يحق إذا ثبت أي المثبتة أو الثابتة في موضعها الأصلي ..... "
فلاحظ ايها اللبيب .. ان الخطيب جعل معنى الحق .. هو الثبات .. ولم يشر الى غيره ... بينما صاحب اللسان ... جاء تعريفه الاول لمادة [(حقق) الحَقُّ نقيض الباطل وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ وليس له بِناء أدنى عدَد وفي حديث التلبية لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل] ثم ذكر من معانيه الثبات والصدق والوجوب .. ونحن لا ننكر معنى الثبوت للحق ولكن نقول من عادة المصنفين من المحققين .. عندما يتعرضون لمصطلح ان يشيروا الى جل معانيه فى اللغة .... وليس هذا صنيع الخطيب ... رحمه الله.
وافضل من صاحب اللسان .... صاحب التاج. عندما بدأبقوله: الحَقُّ: من أسماء اللهِ تَعالَى أو من صفاتِه قالَ ابنُ الأثِيرِ: هو المَوجُودُ حقيقةً المُتحَققُ وجُودُه وإلهِيته وقال الراغِبُ: أصلُ الحَقِّ: المُطابقةُ والمُوافَقَة كمُطابَقَةِ رِجلِ الباب في حُقهِ لدَوَرانِه على الاستِقامَةِ والحَقًّ: يقالُ لمُوجدِ الشيءَ. بحَسَب ما تَقْتَضِيه الحِكمَةُ ولِذلِكَ يُقال: فِعلُ اللهٍ كُله حَق وللاعْتقادِ في الشيء التطابِقِ لما عَلَيه ذلِكَ الشَّيء في نَفْسِه ..
¥