تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمعنى ان تكون الاستعارة مجازا لغويا ...... هو ان التصرف الذى حصل لغوي بحت ... فالاسم الذى اعطي للسبع ... "اسد"استعير منه ... وسمي به انسان .. فنكون قد اخذنا لفظا من جهة ما .... وجعلناه لجهة اخرى .. فمادة التعامل هنا هي اللفظ اي اللغة ... فالاستعارة اذن مجاز لغوي ..

لكن هذا التصور للاستعارة لم يرض الفريق الآخر ... واحتجوا ... بما اورده الخطيب القزويني .. من الزام: فمن سمىولده "سيفا" او" فهدا" او " شمسا" .....

فقد استعار .... فهذه الاعلام مجاز على مذهبكم .... ولا تقولون به .. وهذا تناقض ...

وقالوا بل الاستعارة مجاز عقلي .... ومعنى ذلك .... ان عقولنا تصرفت بالقدرة التخييلية .... فتوهمت ان هذا الانسان الماثل امامنا ... ليس انسانا ... بل دخل فى جنس السباع ... فأطلقنا عليه اسم "اسد" بعد ذلك .... وليست البلاغة فى استعارة الفاظ ... بل فى استعارة المعاني ... والمعاني عقلية ... فثبت ان الاستعارة مجاز عقلي وهذا هو المطلوب ...

ورد الفريق الاول: لكن اسم "اسد" وضع فى الاصل للسبع ... واستعمل هنا فى غير ما وضع له ... والوضع والاستعمال امور لغوية ...

لكن الامر الحرج فى اعتبار الاستعارة مجازا عقليا .. هوخروج الاستعارة الى الحقيقة ... فلن تعود مجازا ..

قال ابن يعقوب المغربي .... فى "مواهب الفتاح"وهو احد شراح التلخيص ... وهو يعلق على تعريف الحقيقة عند السكاكي .. باعتبارها "الكلمة المستعملة فيما وضعت له":

"ولما كانت الاستعارة موضوعة قطعا على كل قول وانما الخلاف فى انها مجاز لغوي أو عقلي على ما تقدم بيانه ... (في شرحه) ... فعلى انها مجاز عقلي فهي حقيقة لغوية لا يصح اخراجها [يقصد اخراجها من تعريف الحقيقة ... ] وانما يخرج المجاز المرسل .. وعلى انها مجاز لغوي يحتاج الى اخراجها إذ لا تخرج بالوضع للاتفاق على وضعها لكن وضعها للمشبه بتأويل اي ادعاء انه من جنس المشبه به الذي وضع له اللفظ أصالة احتاج الى زيادة قيد لاخراجها إذ هي مجاز لغوي على هذا وذلك القيد هو ان وضع الحقيقة لا تأويل فيه ولا ادعاء ووضع الاستعارة فيه تأويل وادعاء لذلك زاد قيد قوله (من غير تأويل فى الوضع) ... انتهى.

وهكذا يلاحظ .. ان الادعاء لازم لمعنى الاستعارة ... سواء أتبنينا التصور الاول ... ام الثاني .... مع ان جل البيانيين ... يذهبون الى المجاز اللغوي .... فى تعريف الاستعارة ...... لان القول بالمجاز العقلي قد يلحق الاستعارة بالحقيقة ... ويفقد المجاز رافدا هاما جدا هو الاستعارة ...

قال ابن يعقوب:

(على اصح القولين) وهو القول بأن الاستعارة مجاز لغوي كما ذكرنا لأنها- ولو بولغ فى التشبيه فيها حتى ادعي دخول المشبه فى جنس المشبه به على ما تقدم-لا يقتضي ذلك كونها مستعملة فيما وضعت له حقيقة وانما استعملت فى غير ما وضعت له بالاصالة فاحتيج الى الاحتراز عنها كما بيننا لتخرج إذ هي مجاز لغوي فلو دخلت فى الحقيقة فسد حدها وأما ان بنينا على القول بأنها حقيقة لغوية بناء على انها استعملت فيما وضعت له حقيقة لأن التصرف وقع اولا في أمر عقلي بأن جعل المشبه نفس المشبه به فلما جعل نفسه أطلق اللفظ على ذلك المشبه لا على انه مشبه بل على انه نفس المشبه به فقد استعملت فى معناها الاصلي فكانت حقيقة لغوية .. "

القاريء غير المختص سيشعر عند فراغه من نص ابن يعقوب ... ان هناك "أزمة" ما ... تتعلق بتصور الاستعارة ... لكنه قد لا يعي جذور الازمة .... فلا بد من توضيح .... (يستغني عنه المهتمون بالبلاغة):

القول الاول ... الذي ينص على ان الاستعارة مجاز عقلي ... يصر على اننا لم نطلق اسم اسد على الفرد ... الا بعد ان جعلناه بأذهاننا اسدا .... لأن نقل الاسم بدون صورة الاسد ليس بليغا ... كما لو سميت ابنك "اسد" ... فيكون الاسم علما محضا لا استعارة باتفاق ...

إذن جاءت التسمية بعد ان اعتبر العقل الشخص اسدا .... وهنا تأتي المفاجأة: لا مجاز هنا ... لاننا استعملنا الكلمة فيما وضعت له ... فهي حقيقة .....

وهذا مثال يوضح ذلك ... :الطفلة الصغيرة عندما تسمي دميتها عروس ... لا تستعمل المجاز .. كلا .. فالدمية فى نظرها عروس حقيقية ... وليس مجرد شيء مشبه بالعروس ... فقد تخيلت الدمية عروسا .. وسمتها كذلك ... فالدمية فى تصورها ليست خشبا او بلاستيك تمثل العروس .. بل هي عروس .. لا اقل ولا اكثر ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير