ولقائل أن يقول قد تقدم أن الاستعارة أصلها التشبيه وأن الأصل في وجه الشبه أن يكون الشبه به أتم منه في المشبه وأظهر فقولنا رأيت أسدا يفيد للمرء شجاعة أتم مما يفيدها قولنا رأيت رجلا كالأسد لأن الأول يفيد شجاعة الأسد والثاني شجاعة دون شجاعة الأسد ويمكن أن يجاب بحمل كلام الشيخ على أن السبب في كل صورة ليس هو ذلك لا أن ذلك ليس بسبب في شيء من الصور أصلا ...
ويتلخص من كلام الخطيب .. ان المبالغة فى الاقناع والتأثير على المخاطب وان كانت واردة ومطلوبة فإنه لا ينبغي ان تخفي المبالغة الاخرى التى أنكرها الشيخ الجرجاني .... وعلى هذا النهج سار ابن يعقوب المغربي عندما شرح كلام الخطيب المتعلق بالمفاضلة بين التشبيه والاستعارة فقال:" ...... فيستشعر من ذلك أنه بالغ فى التشبيه حتى سوى بينهما وصيرهما من جنس واحد بحيث يشملهما الاسم على ما تقدم فى الاستعارة ففهم من ذلك مساواتهما عند المتكلم فى الشجاعة الجامعة لهما فهنا مبالغة فى التسوية أفادها التعبير عن المشبه بلفظ المشبه به لأن ذلك يشعر باتحادهما وكونهما شيئا واحدا وهذه المبالغة لا توجد فى الحقيقة التي هي التشبيه كأن يقال زيد كالاسد لأن اصل التشبيه الاشعار بكون الوجه فى المشبه به أقوى فلا مساواة فقد ظهر أن الاستعارة تفيد المبالغة فى تسوية الشبيهين فى الوجه والمبالغة فى تقرير اللازم فى الذهن .... "
ويستفاد من آخر كلام ابن يعقوب ... ما تقرر عند الخطيب من ان المبالغة فى الاستعارة مزدوجة ... مبالغة فى زيادة المعنى فى الخارج ... وزيادة فى تقرير المعنى فى الذهن .... فيعود الاشكال من جديد:
هل يمكن للنص الديني .... ان يزيد على معاني الاشياء .... فالاحمر الباهت مثلا هل يمكن ان ندعي فيه بأنه احمر قان .... أليس هذا كذبا؟
وهذا اوان التفصيل فى مسألة الكذب هذه:
قال صاحب الايضاح:
اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب فذهب الجمهور إلى أنه منحصر فيهما ... ثم اختلفوا ..
فقال الأكثر منهم صدقه مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه له .. هذا هو المشهور وعليه التعويل.
وقال بعض الناس صدقه مطابقة حكمه الاعتقاد المخبر صوابا كان أو خطأ وكذبه عدم مطابقة حكمه له .. واحتج بوجهين أحدهما: أن من اعتقد أمرا فأخبره به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال ما كذب ولكنه أخطأ كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت فيمن شأنه كذلك ما كذب ولكنه وهم .....
ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب بدليل تكذيب الكافر كاليهودي إذا قال الإسلام باطل وتصديقه إذا قال الإسلام حق فقولها ما كذب متأول بما كذب عمدا.
الثاني قوله تعالى (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) كذبهم في قولهم إنك لرسول الله وإن كان مطابقا للواقع لأنهم لم يعتقدوه وأجيب عنه بوجوه
أحدها أن المعنى نشهد شهادة واطأت فيها قلوبنا ألسنتنا كما يترجم عنه أن واللام وكون الجملة اسمية في قولهم إنك لرسول الله فالتكذيب في قولهم نشهد وادعائهم فيه المواطأة لا في قولهم إنك لرسول الله
وثانيها أن التكذيب في تسميتهم إخبارهم شهادة لأن الإخبار إذ خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة.
وثالثها أن المعنى لكاذبون في قولهم إنك لرسول الله عند أنفسهم لاعتقادهم أنه خبر على خلاف ما عليه المخبر عنه ...
وأنكر الجاحظ انحصار الخبر في القسمين وزعم أنه ثلاثة أقسام صادق وكاذب وغير صادق ولا كاذب لأن الحكم إما مطابق للواقع مع اعتقاد المخبر له أو عدمه وإما غير مطابق مع الاعتقاد أو عدمه: فالأول أي المطابق مع الاعتقاد هو الصادق ... والثالث أي غير المطابق مع عدم الاعتقاد هو الكاذب ..... والثاني والرابع أي المطابق مع عدم الاعتقاد وغير المطابق مع عدم الاعتقاد كل منهما ليس بصادق ولا كاذب فالصدق عنده مطابقة الحكم للواقع مع اعتقاده والكذب عدم مطابقته مع اعتقاده وغيرهما ضربان مطابقته مع عدم اعتقاده وعدم مطابقته مع عدم اعتقاده واحتج بقوله تعالى (افترى على الله كذبا أم به جنة) فإنهم حصروا دعوى النبي الرسالة في الافتراء والإخبار حال الجنون بمعنى امتناع الخلو وليس إخباره حال الجنون كذبا لجعلهم الافتراء في مقابلته ولا صدقا لأنهم لم يعتقدوا صدقه فثبت أن من ا لخبر ما ليس بصادق ولا كاذب ...
¥