تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وربما ظن أن هذا البيت وما يجري مجراه تجنيس، حيث قيل فيه: معقول وعقال، ومحبوس وحابس، وليس الأمر كذلك، وهذا الموضع يقع فيه الاشتباه كثيراً على من لم يتقن معرفته.

وقد تقدم القول أن حقيقة التجنيس هي: اتفاق اللفظ واختلاف المعنى وعقال ومعقول وحابس ومحبوس اللفظ فيهما واحد والمعنى أيضاً واحد، فهذا مشتق من هذا: أي قد شق منه.

وكذلك ورد قول عنترة:

لقد علم القبائل أن قومي ........ لهم حد إذا لبس الحديد

فإن حدا وحديدا لفظهما واحد ومعناهما واحد.

وأما الاشتقاق الكبير فهو: أن تأخذ أصلا من الأصول فتعقد عليه وعلى تراكيبه معنى واحدا يجمع تلك التراكيب وما تصرف منها وإن تباعد شيء من ذلك عنها رد بلطف الصنعة والتأويل إليها.

ولنضرب لذلك مثالا، فنقول: إن لفظة (ق م ر) من الثلاثي لها ست تراكيب، وهي: (ق ر م)، (ق م ر)، (ر ق م)، (ر م ق)، (م ق ر)، (م ر ق)، فهذه التراكيب الست يجمعها معنى واحد، وهو القوة والشدة، فالقرم: شدة شهوة اللحم، وقمر الرجل: إذا غلب من يقامره، والرقم: الداهية، وهي الشدة التي تلحق الإنسان من دهره، وعيش مرمق: أي ضيق، وذلك نوع من الشدة أيضا، والمقر: شبه الصبر، يقال: أمقر الشيء، إذا أمر، وفي ذلك شدة على الذائق وكراهة، ومرق السهم، إذا نفذ من الرمية، وذلك لشدة مضائه وقوته.

واعلم أنه إذا سقط من تراكيب الكلمة شيء فجائز ذلك في الاشتقاق، لأن الاشتقاق ليس من شرطه كمال تركيب الكلمة، بل من شرطه أن الكلمة كيف تقلبت بها تراكيبها من تقديم حروفها وتأخيرها أدت إلى معنى واحد يجمعها

فمثال ما سقط من تركيب الثلاثي لفظة (و س ق) فإن لها خمس تراكيب، وهي: (و س ق)، (و ق س)، (س و ق)، (ق س و)، (ق و س)، وسقط من جملة التراكيب قسم واحد، وهو (س ق و)، وجميع الخمسة المذكورة تدل على القوة والشدة أيضا، فالوسق من قولهم: استوسق الأمر: أي اجتمع وقوي، والوقس: ابتداء الجرب، وفي ذلك شدة على من يصيبه وبلاء، والسوق: متابعة السير، وفي هذا عناء وشدة على السائق والمسوق، والقسوة: شدة القلب وغلظه، والقوس معروفة، وفيها نوع من الشدة والقوة، لنزعها السهم وإخراجه إلى ذلك المرمى المتباعد.

واعلم أنا لا ندعي أن هذا يطرد في جميع اللغة، بل قد جاء شيء منها كذلك، وهذا مما يدل على شرفها وحكمتها، لأن الكلمة الواحدة تتقلب على ضروب من التقاليب، وهي مع ذلك دالة على معنى واحد، وهذا من أعجب الأسرار التي توجد في لغة العرب وأغربها، فاعرفه.

إلا أن الاستعمال في النظم والنثر إنما يقع في الاشتقاق الصغير دون الكبير، وسبب ذلك أن الاشتقاق الصغير تكثر الألفاظ الواردة عليه، والاشتقاق الكبير لا يكاد يوجد في اللغة إلا قليلا، وأيضا فإن الحسن اللفظ الذي هو الفصاحة إنما يقع في الاشتقاق الصغير، ولا يقع في الاشتقاق الكبير، ألا ترى إلى هذين الأصلين الواردين ههنا، وهما (ق ر م) و (و س ق) إذا نظرنا إلى تراكيبهما وأردنا أن نسبكهما في الاستعمال لم يأت منهما مثل ما يأتي في الاشتقاق الصغير حسنا ورونقا، لأن ذاك لفظه لفظ تجنيس، ومعناه معنى اشتقاق والاشتقاق الكبير ليس كذلك.

ـ[عبدالرحمن الزبيدي]ــــــــ[07 - 05 - 07, 04:34 م]ـ

الأخ أبا مالك العوضي

جزاك الله خيرا على هذه الفوائد والنقول وزادك علما ونفعنا بما عندك

ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 05:21 ص]ـ

جزاك الله عنا كل خيرٍ

لأنك قد نهضتَ بألف حاجة!

ـ[ابن نُباتة السعدي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 10:06 ص]ـ

إخواننا ومشايخنا الكرام، جزاكم الله عنا كل خير، وبارك فيكم ونفع بكم.

هلا أتحفتمونا بمنظومة في علم الاشتقاق؟

ـ[أم عبدالله بنت سعود الطيار]ــــــــ[27 - 07 - 07, 10:23 ص]ـ

بارك الله في الجميع.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 12:12 م]ـ

بحسب علمي لا توجد منظومة في علم الاشتقاق، إلا منظومة للسبكي، اسمها (لمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق)، ولكنها ليست في علم الاشتقاق بالمعنى المذكور هنا، ولكنها في أوزان المشتقات، وللسيوطي شرح عليها، رحم الله الجميع.

وعلم الاشتقاق أقرب أن يكون من علوم الملكة والمرانة والسليقة من كونه من علوم المتون المختصرة.

والله أعلم

ـ[أحمد العاني]ــــــــ[27 - 07 - 07, 12:39 م]ـ

جزاكم الله تعالى خيرًا.

أستاذنا الكريم أبا مالك: هل يصلح ما كتب هنا أعلاه كمقدمة مبسطة لطالب هذا العلم؟

وفقكم الله تعالى.

ـ[توبة]ــــــــ[27 - 07 - 07, 02:25 م]ـ

بارك الله فيكم على هذا الطرح القيم.

قد وجدت عند قراءتي كتاب المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الامام أحمد تحقيق محمد عبد الحميد،فائدة أحببت وضعها هنا، و أرجو أن تكون في صلب الموضوع،

يقول المحقق في اشتقاق كلمة (ربّاني)

يختلف العلماء في لفظ رباني،أهو عربي أم سرياني،و الذين ذهبوا إلى أنه عربي يختلفون في تخريجه

فيذهب قوم إلى أنه نسب إلى ربان-مثل نعسان -

و يذهب آخرون إلى أنه نسب إلى" رب"الذي هو مصدر رب يربه، مثل مد يمده، و معناه على هذا الذي يرب العلم و يمهد طرقه،

ويذهب فريق إلى أنه نسب إلى "الرب"بمعنى الإله،و أصله صفة، و على هذين الوجهين تكون الألف و النون زائدتين في المنسوب مثل زيادتهما في (لحياني) و (جسماني)،و قد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم في قوله سبحانه و تعالى (كونوا ربانيين) و قوله (لولا ينهاهم الربانيون).

بالنسبة لكلمة تخريج،هل المقصود باستعمالها هنا 'الاشتقاق'؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير