تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبإنعام النظر فيما أثر عن هؤلاء النحاة؛ نجد أنّ أقوالهم تتشابه ولا تناقض بينها - وإن اختلفت عباراتهم - كما أنّ بعضها يحتمل المذاهب الثلاثة، ومن هنا ندرك سبب اضطراب العلماء في نسبة هذه المذاهب إليهم.

والحقيقة أن الخليل، وسيبويه، والفارسي لم يصرح أحد منهم بتأييده لمذهب من هذه المذاهب، ولم يحدد أحد منهم مصطلحاً معيناً من المصطلحات الثلاثة ويتشبث به، وإنّما الذين أوجدوا هذا الخلاف وحاولوا أن يعمّقوه، وأن يوجدوا فروقاً بين أقوال النحاة؛ هم المتأخرون (37)، فحاول كل منهم أن يؤوّل كلام السابقين ويوجهه وفق مذهبه، حتى اتسعت شقة الخلاف.

ولم يختلف أحد على وجود شرط ملحوظ في الكلام، سواء أقدرناه بعد الطلب، أم قدرناه في الطلب على جهة التضمين أو النيابة؟ فالشرط ملحوظ في جميع التراكيب التي انجزم فيها المضارع، والفرق بين التضمين والتقدير أنّ التضمين: يكون في المعنى المتضمن على وجه لا يصح إظهاره معه. والتقدير: يكون على وجه يصح إظهاره معه (38).

أما قول النحويين بأن الجازم هو الطلب مضمناً معنى الشرط، أو نائباً مناب الشرط ففيه ترخُّص؛ لأن الطلب في حد ذاته لا يفتقر إلى جواب، والكلام تام به، فإذا قلنا: " افعلْ " أو " لا تفعل " فإنما نطلب من المأمور أن يفعل، أو ننهاه عَنْ أَنْ يفعل، ولا وجود لمعنى الشرط فيه بمفرده؛ إذ لا يقتضي - بمفرده - جواباً، ولا يتوقف وجود غيره على وجوده، ولكن إذا أتينا معه بجواب، نحو: " ايتني آتك "، دلّ ذلك على أن هناك شيئاً يتوقف عليه هذا الجواب، ولم نلحظه من الطلب بمفرده، ولا من الجواب بمفرده، بل منهما معاً، ولله درّ ابن خروف! إذ قال: " كلُّ جوابٍ يُجزم فلتضمن الكلام معنى الشرط " (39)، فقال: " لتضمن الكلام " ولم يقل: الطلب؛ لأن الطلب بمفرده - كما سبق- كلام تام، لا يوجب اقترانه بجواب، ولكن الكلام المشتمل على الطلب والجواب معاً دلاّ على معنى الشرط. وقال في (شرح الكتاب) (40): "والجازم في هذا الباب للجوابات الكلام الذي دخله معنى الشرط؛ لأنه في معنى " إنْ تأتني آتك "، والعامل في جواب الشرط الصريح حرف الشرط ومجزومه، فكذلك ما ناب منابه وتضمن معناه ".

يتبع فى المشاركة القادمة

ـ[ابوخالد الحنبلى]ــــــــ[27 - 10 - 06, 07:15 م]ـ

والأمر أيسر من أنْ يُجعل فيه خلافٌ، إذ قَصْدُ الشرط موجود في كلامهم وإن اختلفت العبارة، والجزم حاصل بالشرط الملحوظ من الكلام سواء أكان مقدراً في الكلام وجاز التلفظ به، أم تضمنه الطلب ولم يَجز التلفظ به، أم ناب عنه؟. والذي قادهم إلى إيجاد هذا الخلاف مصطلحات ثلاثة: " التقدير، والتضمين،والنيابة "، وحسماً للخلاف يمكننا القول: بأن الجازم للجواب شرطٌ مقدرٌ ملحوظٌ، تضمنه الكلام، وناب منابه - وهو قريبٌ ممّا قاله ابن خروف - سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به، وبذلك نكون قد وَفّقْنا بين المذاهب الثلاثة. قال الشاطبيّ (41): " والخَطْبُ في المسألة يسيرٌ، وكلاهما محتملٌ ممّا يقال به، فلا حاجة إلى الإكثار ".

رابعها: أي المذهب الرابع في عامل الجزم في جواب الطلب هو: أن الجازم لامٌ مقدرةٌ. وهذا القول لا يُعتد به، قال الأشموني (42) " وهو ضعيفٌ، لا يطّرِدُ إلا بتجوّزٍ وتكلّفٍ "؛ فالتجوّز؛ لأن أمر المتكلم نفسه إنما هو على التجوز بتنزيل نفسِه منزلة الأجنبي، وأمّا التكلّف؛ فلأنّ دخول لام الأمر على فعل المتكلم قليلٌ (43).

ثانياً: علة امتناع جزم المضارع بعد النفي والخبر المثبت

علّل النحويون امتناع جزم المضارع بعد النفي نحو: " ما تأتينا تحدثنا" بعللٍ شتى، منها ما يلحظ فيه التكلف والبعد عن المنطق، ومنها ما يكتنفه الغموض وعدم الوضوح، ومنهم من اكتفى بمنع الجزم ولم يعلل (44).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير