ويجب الجزم في نحو: " افتحْ صنبورَ الماءِ ينهمرْ ماؤه "، وقوله تعالى: ? اقْتُلُوا يُوسُفَ أوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ .... ? (53).
وأضاف أكثر النحويين (54) إلى هذا الشرط العام شرطاً آخر لصحة الجزم في جواب النهي، وهو وقوع " لا " بعد " إنْ " الشرطية المقدرة دون أنْ يقع فساد في المعنى؛ قال ابن مالك (55):
وشَرْطُ جزمٍ بعدَ نهيٍ أنْ تضع " إنْ " قبلَ " لا " دونَ تخالفٍ يقع
فصحّ الجزم في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ"،و" لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ "؛ لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلِ الجنةَ؛ فصح المعنى؛ لأن عدم الدنو سبب في السلامة، وعدم المعصية سبب في دخول الجنة.
وامتنع الجزم - عندهم - في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك "، و" لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ "، قالوا: لأنّ التقدير: إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك، وإنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ النارَ. فهذا المعنى فاسد - ولا شك - والسبب هو تقدير "لا" بعد " إنْ " الشرطية، ولو لم يقدروها لاستقامت العبارة، واستقام المعنى.
ولم يشترط الكسائي (56) هذا الشرط – وهو تقديره " لا " ضمن جملة الشرط المقدرة – بل يقدر التقدير المناسب للمعنى الذي تدل عليه القرائن، إذ المعوّل عليه في جزم الجواب هو المعنى؛ فيصح الجزم – عنده – في كلتا الحالتين لصحة المعنى بتقدير " لا " في جملة الشرط المقدرة في المثالين الأولين، أي: " إنْ لا تدنُ منْ الأسدِ تسلم "، و " إنْ لا تعصِ اللهَ تدخلُ الجنةَ " وعدم تقديرها في المثالين الأخيرين؛ لأنه واضح فيهما أنّ قصد المتكلم: " إنْ تدنُ من الأسدِ يأكلك "، و " إنْ تعصِ اللهَ تدخل النار ".
ونُسب هذا المذهب أيضاً - وهو صحة الجزم في نحو: " لا تدنُ من الأسدِ يأكلُك " - إلى الكوفيين عامة (57).وصرح السهيليّ بجوازه، وقال بأن له نظائر وشواهد يطول ذكرها وخرّجه على ما ذهب إليه الكسائي، أو على إضمار فعل يدل عليه النهي، أو أن يكون منجزماً على نهي آخر.
وقال بأن الثلاثة الأوجه جائزة على أصول النحويين أجمعين (58) وأجازه الأخفش (59) لا على أنه جواب، بل حملاً على اللفظ الأول؛ لأنه مجزوم.
وأجازه الجرميّ على قُبحٍ (60)، وقال سيبويه: " فإن قلتَ: لا تدنُ من الأسد يأكلْك فهو قبيح إنْ جزمت، وليس وجه كلام الناس " (61).
واحتجّ المانعون بفساد المعنى عند تقدير " لا " بعد " إنْ " الشرطية، إذ سيصير " إنْ لا تدنُ من الأسدِ يأكلْك "، وهذا محال، لأنّ تباعده لا يكون سببًا لأكله، ويجوز الرفع، أو إدخال الفاء والنصب (62).
وقالوا بأنّ المضمر يجب أنْ يكون من جنس المظهر (61) إذ لو خالفه لما دلّ عليه، فيجب أنْ تعاد " لا " في جملة الشرط المقدرة.
أما المجيزون فاحتجوا بالقياس والسماع، بالقياس على النصب فكما جاز النصب في " لا تدنُ من الأسدِ فيأكلَك " بثبوت الفاء والنصب، جاز الجزم عند سقوطها.
وبالسماع (64)، فقد جاء في الأثر أنّ أبا طلحة قال للنبيّ – صلى الله عليه وسلم – في بعض المغازي: " لا تُشْرِفْ يُصبْك سَهْمٌ من سِهَامِهِمْ " (65) –بجزم " يصبك " على جواب النهي –
وعنه- صلى الله عليه وسلم– "منْ أَكَلَ مِنْ هذه الشَّجَرَةِ فلا يقربْ مسجدَنا يؤذِنا بريحِ الثومِ " (66) بجزم " يؤذنا " على جواب النهي.
وعنه-صلى الله عليه وسلم-: " لا تَرْجِعُوا بعدي كفاراً يضربْ بعضُكم رقابَ بعضٍ " (67) بجزم " يضربْ " على جواب النهي.
كما احتجوا بقول بعض العرب: " لا تَسْألُونا نُجبْكم بما تكرهون " (68) بجزم " نجبْكم " على جواب النهي.
- وبقراءة الحسن: ? وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثرْ ? (69) بالجزم في بعض التوجيهات.
- وجاء في (كتاب الجمل) (70) " لا تقصدْ زيداً تندمْ ".
- وفي (التبصرة والتذكرة) للصيمري (71) - في بعض النسخ -: " لا تشتم زيداً يضربْك ".
وأجاب البصريون بأنه لو صحّ القياس على النصب لصحّ الجزم بعد النفي قياساً على النصب (72).
وردوا النصوص السابقة (73) بندورها، وبجواز أن يكون المجزوم ثانياً بدلاً من المجزوم أولاً لا جواباً، وبثبوت الياء في الحديث الأول والثاني في بعض الروايات.
أما قراءة الحسن، فقالوا بأنها تحتمل عدة أوجه (74):
¥