1 - أن تكون " تستكثر " بدلاً من " تمنن "، وأنكره أبو حاتم (75)، وقال: إنّ المن ليس بالاستكثار فيبدل منه.
2 - أن يكون قدّر الوقفَ عليه؛ لكونه رأس آية، فسكّنه ثم وصله بنية الوقف.
3 - أن يكون سكّنه لتناسب الفواصل، وهي: فأنذر، فكبر، فطهر، فاهجر.
4 - أن يكون أسكن الراء لثقل الضمة، مع كثرة الحركات تشبيهاً له بـ "عضد".
5 - إثبات الوجه إنْ لا تمنن تستكثر من الأجر.
وقد أجمع القراء السبعة على الرفع فيه (76)، والجملة في موضع نصب على الحال؛ أي: ولا تمنن مستكثراً ما أعطيت، أو على حذف " أنْ " فارتفع الفعل.
وقرأ الأعمش (77) " تستكثرَ " بالنصب بأن مضمرة، أي: لا يكن منك منٌّ ولا استكثار، ويعضده قراءة ابن مسعود. " أنْ تستكثرَ " (78).
وأجاز العكبري جزمه على الجواب، قال: " والتقدير في جعله جواباً: إنّك إن لا تمنن بعملك أو بعطيتك تزدد من الثواب لسلامة ذلك عن الإبطال بالمن والأذى. على ما قال تعالى: ? لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأَذَى ? (79) " (80).
وبعد عرض القضية وحجج الفريقين، وبإنعام النظر في الأساليب التي أجازوا فيها الجزم والتي منعوه فيها، نحو: " لا تدنُ من الأسد تسلمْ "، و " لا تدنُ من الأسد يأكلْك "، نجد أنْ لا فرق بينهما في التركيب، فكلاهما يتكون من عناصر أساسية هي: أداة النهي، والفعل، وجار ومجرور، والجواب، وكلاهما نهي يترتب عليه جلب مصلحة أو دفع ضرر، وهذا هو وجه الاختلاف بينهما، فالمنع إذن ليس من جهة اللفظ، وإنما من جهة المعنى، والمتكلم عندما ينهى شخصاً إما أن يبين له عواقب الطاعة، أو أن يبين له عواقب المعصية، فإن أراد إقناعه نهاه ورغبه في الأمور الحسنة التي تترتب على الامتثال؛ نحو:" لا تعص الله تدخل الجنة " و " لا تكذبْ تنجُ " و " لا تهملْ واجبك تنجح ".
و إنْ رآه في خطر نهاه وحذره من المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال، ويكون همه هو درء الخطر عنه وتخويفه. ولنا أن نتخيل حالة الرعب والتوتر والاضطراب التي يكون عليها من رأى شخصاً أو طفلاً يهم بعمل يترتب عليه خطر؛ أينهاه مبيناً حسنات الامتثال، أم ينهاه مبينًا المخاطر؟
لا شكّ أنّ الحالة النفسية للمتكلم لها تأثير في تحديد الأسلوب الذي يُعبّر به عما يدور في نفسه، ففي الغالب ينهاه مبينًا المخاطر التي تترتب على عدم الامتثال، لأنّ همّه هو درء الخطر عنه، فيقول له: " لا تقتربْ من النار تحترق " و " لا تكسلْ تندمْ " و " لا تمسكْ الزجاج يقطعْ يدك ".
ولو تدبرنا الاستخدام اللغوي في وقتنا الحاضر، وجدناه يجري هذا المجرى، وعلى هذا جاء ت النصوص السابقة التي احتج بها الكسائي ومن وافقه.
والكسائيّ – كما هو معروف – علم من أعلام النحو، وهو إمام المذهب الكوفيّ، وأحد القراء السبعة، فما أجازه لابد أن يكون عن ُبعْدِ نظرٍ، وله وُجْهةٌ في ذلك. (81)
وقال الرضي (82) " وليس ما ذهب إليه الكسائيُّ ببعيد لو ساعده نقل " وقد ساعده النقل بالنصوص السابقة التي وردت.
وحجّة المانعين هي عدم استقامة المعنى بتقدير " إنْ لا ". فإذا عرفنا أنَّ تقدير الشرط أمرٌ وهميٌّ افتراضيٌّ وضعه النحويون لتسويغ الجزم في جواب الطلب ولم تتكلم به العرب، ولم تظهره في كلامها، وعلة المنع هي من جهة المعنى عند تقدير: " إنْ لا "، ويترتب على النهي إمّا الطاعة وإمّا المعصية؛ إذن ِلمَ لا نقدر التقدير الذي يناسب المعنى ويحدّده السياق؟ ويتم ذلك بالاستغناء عن "لا" تلك التي يفسد معها المعنى- فيما ذكروا- فيكون التقدير في نحو " لا تدنُ من الأسدِ تسلمْ ": إنْ لا تدنُ تسلمْ، وفي نحو " لا تدن من الأسد يأكلك ": إن تدن يأكلْك – وهو ما قاله الإمام السهيلي في بعض توجيهاته (83) – فالمعنى الذي يشتمل عليه أسلوب النهي المجاب عنه يتضمن طاعة يترتب عليها أمر حسن، أو معصية يترتب عليها أمر سيء، فالمهم إن معنى الجزاء الذي هو شرط في جزم الجواب متحقق في التركيب في كلتا الجملتين على اعتبارات معنوية مختلفة، وبالتقدير المناسب للمعنى الذي قصده المتكلم.
يقول السيوطي (84): " ينبغي أنْ يُقدّرَ المُقدَّرُ من لفظِ المذكورِ مهما أمكن ... فإذا مَنع من تقدير المذكور مانعٌ معنويٌّ أو صناعيّ قُدِّر مالا مانع له".
¥