تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول ابن جني في (باب تجاذب المعاني والإعراب) (85): " ... وذلك أنّك تجد في كثير من المنثور، والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبين: هذا يدعوك إلى أمر، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلاماً ما أمسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيح الإعراب".

وإذا أردنا أنْ نحتفظ بلفظ الفعل الأساسي، وبمعنى الطلب نقدر في الأول " لا تدنُ من الأسدِ [إنْ لا تدنُ] تسلمْ "، وفي الثاني " لا تدنُ من الأسد [إنْ تدنُ] يأكلْك "، ويساعد على هذا التقدير قيام القرينة المعنوية فلا داعي للتمسّك باشتراط تقدير " لا " الناهية في جملة الشرط – إذا وُجدت القرينة المعنوية – كما لم يشترطوا تقدير ادوات

الطلب الأخرى؛ نحو " أيْنَ بيتك أزرْك؟ " و" ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " و " ليتَ لي مالاً أنفقْ منه ".

كما أنَّ " لا " الناهية ستتحول عن أصلها بدخول " إنْ " الشرطية عليها وستصبح نافية.

ومن هنا ندرك سبب اختيار أكثر النحويين المذهب الثالث في عامل الجزم، وهو شرط مقدر، كما ندرك سبب قول كثير منهم أن يكون تقديره بعد الطلب؛ قال السيرافي: " ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى، والذي يكشفه الشرط، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " (86).

لذا فالرأي هو جواز الجزم فيما ورد من النصوص على البدلية وعلى الجزاء.

فإذا كانوا قد أجازوا الجزم في النصوص التي وردت وخرَّجوه على البدلية، فلم لا يجيزون القياس على تلك النصوص؟

وإذا أجازوا القياس على تلك النصوص، وخرَّجوه على البدلية أليس من الأولى أنْ يُجاز على الجزاء ما دامت القرائن تبين المعنى؟! أليس من الأولى أنْ نعود إلى رأي الكسائي الذي يُجيزه على الجواب؟ وبينَ المعنيينِ فرقٌ بيّنٌ.

وليس حمل قراءة الحسن على ما ذهب إليه الجمهور - على جودته - بمانع من أن تحمل على ما ذهب إليه الكسائي؛ فهو أيضاً جيّد في أداء المعنى.

وإجازة هذا على قلة، وللقادر على التمييز بين دلالات التراكيب، ولا مانع عندئذ من الحمل عليه عندما يكون الحمل عليه أولى.

وفي تقديرِ الشرطِ بعدَ الطَّلَبِ، وعدمِ اشتراطِ تقديرٍ مُعيَّنٍ فوائد عديدة منها:

1 - المحافظة على صيغة الطلب الذي هو أساس المعنى، وعدم اطراحه، أو تحويله عن وجهته.

2 - إبراز المعنى الإضافي الآخر الذي تضمنه الكلام ودلَّ عليه الطلب والجواب، وهو الشرط المقدر.

3 - اطّراد القاعدة في جميع أساليب الطلب، ومعاملتها معاملة واحدة من حيث ذكر أداة الطلب أولاً وعدم إعادتها في الجملة الشرطية المقدرة.

4 - الاحتفاظ بالحركة الإعرابية للفعل الطلبي، وبمكونات تركيب جملة الطلب؛ لأن حركة الفعل ستتغير بدخول " إنْ " الشرطية عليه.

ومثالٌ على ما سبق فإن جملة: " ألا تنزلُ عندنا تصبْ خيراً " إذا قُدِّرَ الشرطُ مكان الطلب ستصبح: " إنْ تنزلْ عندنا تصبْ خيراً "، فيُلغى الطلب، ولا يصبح ثمّة ما يدلّ عليه، ولا يُعرف أصله أهو نهي، أم تمنٍ، أم عرض، أم تحضيض،أم غيره؟، وهل الأصل: " ألا تنزلُ "، أم " لا تنزلْ "، أم " هلاّ تنزلُ "، أم " ليتك تنزلُ "، أم " لعلّك تنزلُ "؟

كما أن الفعل الطلبي سيتغيّر بعد دخول " إنْ " الشرطية عليه، فبعد أن يكون مرفوعاً،أو مجزوماً بـ" لا" الناهية سيصبح مجزوماً بـ " إن " الشرطية.

أمَّا إذا كان تقدير الشرط بعد الطلب - وهو قول كثير من النحويين (87) - نحو: " ألا تنزلُ عندنا [إنْ تنزلْ عندنا] تصبْ خيراً " نكون قد حافظنا على مكونات الجملة الطلبية، ومعنى الطلب، وإعراب الفعل الطلبي.

5 - الاحتفاظ بـ " لا " الناهية وعدم تحوُّلها إلى نافية بدخول " إنْ " الشرطية عليها، وبالتالي سيتغير عملها، فلو أُنيب الشرطُ منابَ الطلب – وهو النَّهي – فإنَّ جملة " لا تهجُ زيداً تسلمْ " ستصبح: " إنْ لا تهجُ زيداً تسلمْ "، فـ " لا " في الجملة الأولى ناهية جازمة، في حين هي في الجملة الثانية نافية غير عاملة. والفعل في الجملة الأولى مجزوم بـ " لا " الناهية، وهو في الجملة الثانية مجزوم بـ " إنْ " الشرطية، فاختلف عامل الجزم في الجملتين.

ولكن بتقدير الشرط بعد الطلب، نحو: لا تهجُ زيداً – إنْ لا تهجُه – تسلمْ " نكون قد حافظنا على الطلب، وعلى عامل الجزم في الفعل الأساسي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير