وبهذا تكون التفعيلة في الحقيقة تعبيراً مختصراً عن ترتيب حركيّ سكونيّ ليس إلا. أو هي: " حوامل للحركات والسكنات المصوّرة في الموزون المقابل، فالمقصود بها: حكاية الإيقاع عن طريق صيغ صرفيّة " [العروض والقافية، د. عبد الله أمين: 21]، والمعتبر في هذا السياق " التوافقُ في جنس الحركة لا في عينها من كونها مثلا كسرة أو فتحة " [نهاية الراغب في شرح عروض الحاجب، لجمال الدين الأسنوي: 85]
قال ابن عبد ربه" من هذه الأسباب والأوتاد ضبط الخليل عروضه بما سمّاه الأجزاء، واتخَذَ لفظ (فَعَلَ) رمزاً صرَّفَ منه كلماتٍ موزونةً تدلُّ مجتمعة على موقع الأوتاد من الأسباب، وموقع الأسباب من الأوتاد " [نمط: 95].
فأنت ترى تصريح الرجل بأن الأجزاء (التفاعيل) إنما هي دلالة على موقع الأسباب من الأوتاد والعكس، أي أنها دلالة ـ كما قررتُ ـ على ترتيب حركيّ سكونيّ.
وبفضل الأجزاء (التفعيلات) أصبح بالإمكان التعبير عن موسيقى بيت أبي الطيب على النحو التالي:
فلاتحْ - سبنْنَلْمجْ - دَزِقْقَن - وقينتنْ
//5/ 5 - //5/ 5/5 - //5/ 5 - //5//5
فعولن - مفاعيلن - فعولن - مفاعلن
فَمَلْمجْ - دُإِلْلَسْسَيْ - فولْوَثْ - بَةُلْبِكْرُو
//5/ 5 - //5/ 5/5 - //5/ 5 - //5/ 5/5
فعولن - مفاعيلن - فعولن - مفاعلين
10ـ استطاع الخليل بهذه الخطوة أن يتوصل إلى آلية محكمة بارعة مختصرة تعبر لنا عن موسيقى البيت من خلال الكشف عن ترتيبه الحركيّ السكونيّ، ومن خلال هذه الآلية وصف لنا ما انتهى إليه من أنغام الشعر العربي، وسمى كل نغم رئيس بحراً، فاتّسقَ له خمسة عشر بحراً.
11ـ ولما كانت بعض التغييرات اليسيرة في الترتيب لا تخلّ بنغم البيت، فقد اضطر الخليل إلى حصر هذه التغييرات وضبطها ووضع أسماء محددة لها، ليقدم لنا مع كل بحرٍ ما يجوز فيه من تغييرات وسمى هذه التغييرات الزحافات والعلل.
وهكذا جعل الخليل أمامنا وصفا دقيقا مرئيا لجمهرة الشعر العربيّ، فكل كلام وافق ما وصفه لنا في ترتيب حركاته وسكناته فهو شعر، وما خالفه فليس بشعر، ولذلك قال ابن جني: " فما وافق أشعار العرب في عدة الحروف الساكن والمتحرك سمي شعراً، وما خالفه فيما ذكرناه فليس شعرا " [ابن جني: 59].
ومن هنا ندرك بوضوح تام أن العروض ليس إلا تعاملا مع الترتيب الحركي السكوني للكلام، وصفا له، وبناء عليه.
ويمكن أن نجدَ خلاصةً لهذا الشرح المطوّل في عبارات وجيزة للإمام الأخفش، قال رحمه الله: " أما وضعُ العروضِ فإنّهم جمعوا كلَّ ما وصلَ إليهم من أبنيةِ العربِ، فعرفوا عدد حروفها، ساكنِها ومتحرِّكِها، وهذا البناء المؤلّف من الكلام هو الذي تسمّيه العربُ شعراً، فما وافق هذا البناءَ الذي سمّتْهُ العربُ شعراً في عدد حروفِهِ ساكنةً ومتحرّكةً فهو شعر، وما خالفه وإن أشبهه في بعض الأشياء فليس اسمهُ شعراً " [الأخفش: 126]
ـ[بن طاهر]ــــــــ[11 - 08 - 07, 10:10 م]ـ
حياكم الله أخي الكريم
الأفضل أن تسردوا مقالاتكم في هذا الموضوع المثبّت، لتكون مجتمعة في صعيد واحد، وظاهرة للجميع.
والله أعلم.
أحسن الله إليكم، ولو حُرِّرَتِ المقالات ثمَّ أُفْرِدَتْ بموضوعٍ مستقلٍّ لا يُسمَحُ فيه بالمشاركة فيه - كما فُعِلَ بحلقات (سلسلة شرح الآجرومية .... للمبتدئين) لأخينا الفاضل أبي مالك العوضيّ يَسَّرَ الله له إكماله إذْ جُمِعَتْ في الموضوع (حلقات (سلسلة شرح الآجرومية) لأبي مالك العوضي - لتسهيل المراجعة) - لكانَ في ذلك تيسيرٌ لمتابعةِ هذا المدخل المفيد.
وأرجو من أخينا عادل - جزاه الله خيرًا - أنْ يضبطَ أسماءَ الأعلام والأبياتَ الشّعريَّةَ بالشّكل لأنَّ أمثالي من المبتدئين إذا لم تكن قراءَتُهم صحيحةً أصبحَ إدراكُ الوزن أصعبَ .. وأمرٌ آخر: رمز العدد خمسة يشبه الدّائرة في الأعداد الهنديّة لكنّه يشبه S في الأعداد العربيّة، فليتكم تستعملون (?) أو غيرَه إذا كان ما اقترحتُه لا يظهرُ عند غيري. وهذان مثالان باستعمال هذا الرَّمز (أصلحتُ فيهما بعض الأخطاء المطبعيّة)
فَلَا - تَحْسَبَنْنَ - لْمَجْدَ - زِقْقَنْ - وَقَيْنَتَنْ
? -
?
?
- ?
?
-
?
? -
?
?
فَمَلْمَجْ - دُإِلْلَسْسَيْ - فُولْوَثْ - بَةُلْبِكْرُو
?
? -
?
?
? -
?
? -
?
?
?
فعولن - مفاعيلن - فعولن - مفاعيلن
أرجو أنْ لا يشقّ هذا عليكم، وجزاكم الله خيرًا على هذا التَّمهيد المليح فقد استفدتُ منه كثيرًا.
ـ[عادل باناعمة]ــــــــ[13 - 08 - 07, 11:14 ص]ـ
الأخ المفضال بن طاهر ...
وإيّاك.
لعلي أضبطُ بالشكل إن شاء الله ما وسعني، واقتراح الإفراد من شأنِ الإشرافِ، والأمر في هذا إليهم، على أنَّ حصول التعليق والمراجعة والمباحثة مما يوقدُ الهمّةَ، ويقدحُ الزَّنْد.
وما أدري ما أنكرت من الرمز (5)!
فإن كان إنكارك لعلةٍ حاسوبية يظهرُ معها الرمز في بعض الأجهزةِ على خلاف المراد فنعم.
وإن كان اعتراضك من جهة أنّه رَسْمٌ هنديٌّ أو غباريٌّ فذلك محل نظرٍ من جهتين:
أولاهما: ما اختلفت فيه كلمة الباحثين بشأنِ أيّ الرسمين ألصق بالعربية.
وثانيهما: أنّ الرمز لا يقصدُ به الرقم (خمسة) وإنما يقصَدُ به السكونُ، ولأن رمز السكون في الحاسب صغيرٌ جداً وعالٍ عن السطرِ استبدلت به الرقم (5)، وقد يؤثر البعض استخدام الصفرِ الغباريّ أو الهندي أو الإنجليزي بعرف اليوم، وقد يُصارُ إلى ما قلتَ فكل ذلك واسعٌ إذا ما تحققنا من الحاجةِ إليه.
أكرر شكري لاهتمامكم.
وأنا إلى الآن لا أدري شيئاً عن مدى أهميةِ ما كتبتُ، ومقدار نفعِهِ لرواد المنتدى، وذلك لقلةِ التعليقاتِ والإشارات المتعلقة بمضمون المقالات لا بآلية نشرها.
والله الهادي.
¥