تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اللمع في البلاغة ...]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[13 - 09 - 07, 08:59 م]ـ

[اللمع في البلاغة ...]

تنبيه:

هذه شذرات ولمع وخاطرات، تترابط حينا وتتآخى،وتتباعد أحيانا، فلا تجد سببا بين جارتين إلا ذلك الخيط الوهمي من نسج ملكة التداعي، أو تلك الجنسية المشتركة بين سكان الأقيانوس العظيم المسمى في بعض الكتب:"بلاغة"!

اللمعة1:

لا يمكن تقعيد البلاغة-وأعنى هنا البيان- لأن البلاغة في أصلها عدول عن القاعدة.

والمعاصرون يتحدثون عن "الانزياح"على أنه صبغة الشعر وسمة اللغة الفنية ... وما الانزياح إلا انحراف عن المعيار، وخرق للقاعدة،ومفاجأة للمتلقي بما لم يكن في حسبانه أو يلوح في أفق توقعه ...

عندما يقول قائل:

"أشرقت ..... "

فإن السامع يتوقع فاعلا معينا، بسبب الألفة أو المعيار اللغوي الذي يرشح عادة لفعل "أشرق" فاعلا هو" الشمس" .. لذلك لا تجده ينفعل لقول صاحبه "أشرقت الشمس"لأن القول طابق التوقع فهو مثل تحصيل الحاصل ..

لكن فجر البلاغة يبدأ عندما "ينحرف"المتكلم عن العرف أو المعيار ويدهش مخاطبه بمثل قوله:

"أشرقت المرأة" أو "أشرق الزورق" أو "أشرق النهر" ...

هنا يحصل نشاط غريب لذهن المتلقي:ابتسام واستغراب وتساؤل وتوتر واحتمال .... وتأويل ...

ولم تخلق البلاغة إلا لصدمة المتلقي!

اللمعة 2:

لا يمكن تقعيد البلاغة لأن الكلمة والجملة صالحة لكل معنى .. ومن ثم لم ينجح البلاغيون في ضبط أية قاعدة ويتركون اللائحة مفتوحة في الغالب الأعم ... مثلا عندما يذكرون معاني الاستفهام عند خروجه على غير ما يقتضيه الظاهر تجدهم يبدؤون سلسلة لا ينهونها:

فالاستفهام يفيد التحسر، والأمل، والتعجب، والاستهزاء، والاستبطاء، والخبر،والإنكار، والاسترحام .... وهلم جرا.

إذن يستفاد معنى الاستفهام من السياق فلا معول على قاعدة ... ولوحاولت القاعدة أن تستوعب لخرجت عن جنسها.

وثمة أمر آخر ينغص على القاعدة البلاغية ويعكر عليها وهو صلاحية اللغة للدلالة على الشيء وضده على رغم أنف أرسطو ومبدئه عن الثالث المرفوع ..

مثلا النكرة قد تعني التعظيم وقد تعني التحقير "

قولك "فلان رجل"

جاز أن تقصد رجل وأي رجل أي عظيم .... وجاز لك أن تقصد رجل عادي لا يتميز بشيء عن أبناء جنسه ..

تقول القاعدة:يراد بالنكرة التعظيم والتحقير

ونقول نحن: وما فائدة مثل هذه القاعدة؟ فهي أبعد ما تكون عن الضبط المرجو في كل قاعدة ألا ترى كيف جمعت القاعدة بين الضدين .. فإن كانت النكرة تدل على الشيء وضده فمن باب أولى أن تدل على ما دونه فتؤول القاعدة إلى قولنا:النكرة تدل على كل شيء تدل عليه.!

للمع بقية بحول الله.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[13 - 09 - 07, 09:41 م]ـ

اللمعة 3"

هذا خطأ شائع عمت به البلوى:

الناس لا يفرقون بين البلاغة والمبالغة .. فتراهم يقولون هذه الكلمة أبلغ من تلك لأنهم قدروا أن حجم المعنى فيها أكثر من أختها ف"كمية" الشجاعة في كلمة أسد زائدة على "كميتها" في فارس لذا يسارعون إلى الحكم أن عبارة "فلان أسد" أبلغ من "فلان فارس"

ويرون أيضا أن "هذا الرجل نهر" أقل بلاغة من" هذا الرجل بحر" .. وكل هذا غير صحيح لأن من لوازمه أن تكون هناك صور من البلاغة مطلقة ... فعلى هذا الرأي ستكون صيغ جموع الكثرة أبلغ دائما من جموع القلة وصيغ المبالغة أبلغ دائما مما عداها ... والحق أن البلاغة نسبية دائما بسبب تبعيتها للمقام ..

البلاغة في الحقيقة لا تقاس بحجم المعنى بل بحجم التأثير في النفس وقوة ترسيخ المعنى في القلب ..

ولا يخفى على المرء أن المبالغة تكون أحيانا سببا في تمييع المعنى وهذا خلاف المقصود

...

صحيح إن "الرجل أسد" أبلغ من" الرجل شجاع" لا بالنظر إلى الكم ولكن بالنظر إلى الكيف .. فالمستمع يستحضر مثلا الزئير والمطاردة والأنياب والصراع فضلا عن إيحاءات كلمة "أسد" التي اكتسبتها في التاريخ الثقافي ... فيتجسد معنى الشجاعة في خياله، أما "فلان فارس "فالشجاعة فيه مفهومة ولكنها غير متخيلة وغير مجسدة أي أقل بلاغة وإلا فشجاعة الإنسان أعظم قطعا ...

فائدة:

بعض أهل اللغة يقتصرون على وصف العاقل بالشجاعة، لأن الشجاعة من تجليات العقل ومقابلها في الحيوان هي الجراءة.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[15 - 10 - 07, 05:31 م]ـ

اللمعة 4:

"التلطيف"ومقابله"التبشيع"وجهان بلاغيان ينبغي أن يضافا استقلالا إلى سجل الصور البلاغية،بدل اعتبارهما معنيين سياقيين متوزعين على أبواب كثيرة مثل بابي المجاز المرسل والكنايةوغيرهما.

والذي دفعنا إلى هذا الطلب هو تزايد استعمال الصورتين في خطابات العصر ذلكم العصر الذي يسمونه عصر "الحوار" و"التعايش" و"احترام الآخر" ... ولكي تتحقق هذه المفاهيم لا بد من اللجوء المتزايد إلى آلتي "التلطيف" و"التبشيع" عملا بمقتضى اللياقة والمجاملة بين المتحاورين.

-"التلطيف" هو استعمال لفظ محبوب أو مخفف أو محايد بدل لفظ ثقيل أو قبيح أو بشع والغاية هو تملق المخاطب وعدم استفزازه ...

مثاله:

نقول:

الحوار مع "الآخر":"الآخر" تلطيف لكلمة" الكافر"

"يمارس الحب":تلطيف لفعل "يزني" ..

"الفائدة "البنكية: تلطيف للر با البنكي ...

"المشروبات الروحية":تلطيف للخمور أم الخبائث ..

والسجل طويل جدا ... لذا نلح في إفراد الباب ...

-"التبشيع"هو عكس التلطيف أي استعمال لفظ منفر بدل اللفظ المحايد أو الحسن ..

مثاله:

فلان" إرهابي "بدل مجاهد ...

امرأة" متزمتة" بدل عفيفة ..

"التنطع" بدل التسنن.

وثمرة معرفة هذا الباب البلاغي كشف زيف الخطابات وفضح الاكاذيب.

ملاحظة:

التلطيف وجه معروف في البلاغة الفرنسية تحت اسم: Euphemisme وهو قديم ذكره دومارسيه dumarsais.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير