الجزءُ الأوّل منَ الأخطاءِ اللُّغويةِ الشائعةِ (سلسلةٌ متصلةٌ)
ـ[أبو قصي]ــــــــ[09 - 09 - 07, 02:00 م]ـ
تمهيدٌ
كائنْ أرى من أخطاءٍ كثيرةٍ يقعُ فيها جمهرةُ الأدباءِ والكُتّابِ غير معصومٍ منها إلا شرذمةٌ قليلونَ تعدُّهم عدًّا. وتالِكمُ الأخطاءُ تُزري بصاحبِها، وتَخفِضُ من قدرِه، وتكشِفُ عن جهلِه بعلومِ العربيةِ من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ وغيرِها، وتنبّهُ على غفلتِه في شئونِ العلمِ، وضَُعفِ بصرِه بالاستنباطِ ودِقّةِ النظرِ في التصويبِ والتخطئةِ. ولترينّ من أسفٍ كثيرًا من أُلئكَ يتبوءُونَ من الجاهِ منازلَ عليةً، ولترينَّ الاحتفالَ بهم والاعتدادَ ظاهرًا لدى العامّةِ والخاصّةِ؛ وهمُْ كما قدمتُ منَ الجاهلينَ أوْ منْ أشباهِ الجاهلينَ. ولا جرمَ أنَّ هذا من فسادِ الزمانِ، وخُبثِ الطبعِ، واستواءِ العامةِ والخاصةِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
منْ أجلِ هذا بدا لي أنْ أنبّهَ على فريقٍ كبيرٍ منْ هذيكَ الأخطاءِ مستعينًا باللهِ، لائذًا بحماه.
وسأجعلُ هذا الموضوعَ على حلَقاتٍ متدارِكةٍ، أذكرُ في كلِّ حَلْقةٍ خمسَةَ أخطاءٍ ذائعةٍ، وربما عمَدتُ إلى مداورةِ بعضِ الشئونِ اللغويةِ، غيرَ حاجزٍ نفسي في مكانٍ أزْلٍ، ومجالٍ ضيّقٍ.
وأنا لا أستغني عن تعاليقِ إخواني الكرامِ؛ فإن المرءَ قليلٌ بنفسِه، كثيرٌ بإخوانِه.
وإن أكن أصبتُ فمن اللهِ، وإن أكن أخطأتُ فرأيٌ رأيتُه، والرأيُ فيه مخطئٌ مصيبٌ (من قولِ خُفافِ بنِ نَُدبة:
فلئن صرمتِ الحبلَ يابنةَ مالكٍ ... والرأيُ فيه مخطئٌ ومصيبُ)
===
* الموضع الأول:
يقولون: (طبعًا). وهاتي الكلمةُ يلوكها في لسانه كل أحدٍ جاهلٍ أو مؤتزرٍ بإزارِ العلمِ. وهي كلمة دخيلة في العربية، أحسَِبها وردت علينا من ترجمة الكتبِ الأجنبيةِ مع بِداءةِ عصر النهضة أو السقطةِ. وللحديث عما جرته علينا الترجمةُ من مصائبَ مقامٌ طويلٌ. وربتما أراد بعضُ المترجمين أن يترجم الكلمة الإنجليزيةَ ( of course ) فلم يعرف لها في العربية مرادفًا فترجمها لفسادِ الطبعِ (بالطبع أو طبعًا) وهي حشوٌ من القولِ، وعِيّ في الكلامِ لا ينبغي أن يلفظها من في قلبِه ذرةٌ من أنفةٍ، أو قليلٌ من فقهٍ. (يُنظر في البيان والتبيين / 1/ 113) وإني أرى في العربية بديلاً لها هو (لا جرم) و (حقًّا) و (أجَلْ) و (نعَم) و (لا ريب) و (لا شك) ونحوها.
* الموضع الثاني:
يقولون: نحن كمسلمين نخافُ الله. وهذا التعبير المرذول المحرّف للمعنى عن موضعه من تبِعات الترجمة الرديئة. وأنا أحسبها مترجمة حرفيًّا من الكلمةِ الإنجليزيةِ ( as ) فإنها تستعمل بمعنى الكاف، ويضعونها موضع الاختصاص في العربية. وذِهِْ مما عمت وطمت حتى لا ترى لسانًا إلا يتشدق بها، وبئسَ من لسانٍ يتبعُ كل ما يسمعُ، ويجعل لغته حلالاً لكل مفسدٍ، إنا لله وإنا إليه راجعون!
وفي لغتنا بديل عن هذا التعبير، أُفردَ له في النحو بابٌ مستقلٌّ هو بابُ (الاختصاصِ) تقولُ ـ مثلاً ـ: نحنُ المسلمين نخافُ الله. نُصب (المسلمين) بفعل مضمر وجوبًا تقديره أعني أو نحوُه. أو تقول: نحن أيها المسلمون نخاف الله. ومما ورد في ذلك قول الشاعر:
جُد بعفوٍ فإنني أيها العبـ ... ـدُ إلى العفو يا إلهي فقيرُ
وقول الآخر:
إنا بني نهشلٍ لا ندّعي لأبٍ ... عنه ولا هو بالآباءِ يشرينا
وأنبه على أن هذا التعبيرَ الفاسدَ قد أجازه مجمع اللغة العربية في القاهرة بحجج واهيةٍ داحضةٍ لا يُلتفتُ إليها. وهذا شأن المجمع في كل ما يفشو على ألسنةِ الناسِ؛ إذ يتكلفونَ له التأويلَ تكلفًا ظاهرًا!
* الموضع الثالث:
يقولون: في هذه الفترة. أو بعد فترة؛ أي: مدة. وهو خطأ؛ فإن الفترة في اللغة هي الضعفُ والسكون وانكسارُ الحدة والنشاطِ؛ ولهذا يطلق على ما بين النبيَّين، كما قال ـ تعالى ـ: ((يا أهل الكتابِ قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل)).
والبديل من ذلك هو (مدة) و (زمن) و (حقبة) ...
* الموضع الرابع:
يخطئون من يقولُ من العامة (تَفْتَر) في (دَِفتر) وهو صواب؛ فـ (التفتر) لغة بني أسدٍ، حكاها الفراءُ.
* الموضع الخامس:
يقفونَ على التنوين؛ فيقولون ـ مثلاً ـ هذا كتابُن، أو قرأت كتابَن، أو اطلعت على كتابِن. وهو غلط؛ فإن العربَ لا تقف على التنوين ألبتةَ إلا تنوين الترنم، والتنوين الغالي، كما ذكر أبو سعيد السيرافيُّ وابن جني وغيرهما، وقال ابن مالك في ألفيته:
تنوينًا اثْرَ فتحٍ اجعلْ ألفًا ... وقفًا وتلوَ غيرِ فتحٍ احذفا
ونلقاكم إن شاء الله غيرَ بعيد.
آمُلُ أن تشرفوني بتعليقاتِكم، وآرائكم.
أبو قصيّ
ـ[عبد العزيز بن سعد]ــــــــ[09 - 09 - 07, 03:40 م]ـ
شكرا
حفظك الله أبا قصي
ليتك تفيدنا بشخصك الكريم
فمعرفة أهل الفضل غنيمة
وليتك تتطالعون تحقيقات وتعليقات وتصويبات شيخنا أبي مالك العوضي - حفظه المولى
محبكم: عبدالعزيز الدغيثر
¥