ولم يكن له من مورد سوى عائده من كتبه التي كان يقوم بتحقيقها، وكان اسمه على صدرها يضمن لها النجاح والرواج، ولم يكن يأخذ شيئا على مقالاته التي يكتبها، فأعاد لمجلة العربي الكويتية سنة 1982م مائة وخمسين دولارا نظير مقالة كتبها ردا على الكاتب اليمني عبد العزيز المقالح حول طه حسين، ورفض أن يتسلم من دار الهلال مكافأته عن تأليفه كتابه المهم "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا".
ولأنه كان يشعر أنه صاحب رسالة فإنه كان ينتفض حين يرى انتهاك حرمة من حرمات اللغة العربية فيقف مدافعا عنها بكل ما يملك من أدوات علمية وفكرية، تجعل الخصم يسلم بما يقول أو يلوي هاربا. ومعاركه كلها جمعت في كتب وصارت وثائق في تاريخنا الفكري الحديث، كتبها هو من موقع المدافع والحارس لثقافة الأمة، ولولا خصومه لما ظهرت معظم مؤلفاته؛ لأنها كانت استجابة لتحديات عظيمة، وهي تظهر عظمة شاكر؛ لأنه لم يحتشد لها مثلما يحتشد المؤلفون عند تأليف كتبهم وإنما دخلها كارها مستندا إلى ثقافة واسعة وعلم غزير، وفكر ثاقب وروح وثابة، فأتى بالعجب العجاب.
وفي أخريات عمره رد له بعض الاعتبار، فنال جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 1981م، ثم جائزة الملك فيصل في الأدب العربي عام 1984م، وفي أثناء ذلك اختير عضوا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ثم بالقاهرة.
وبعد رحلة حياة عريضة رحل أبو فهر شيخ العربية وإمام المحققين في الساعة الخامسة من عصر الخميس الموافق 3 من ربيع الآخر 1418هـ= 6 من أغسطس 1997م) ولبى نداء ربه .. فسلام عليك أبا فهر.
منقول من http://www.elshabab.com/docs/general...&categoryid=11 (http://www.elshabab.com/docs/general/index.php?eh=newhit&subjectid=2551&subcategoryid=83&categoryid=11)
محمود محمد شاكر و تفسير الإمام الطبري
هناك في إقليم طبرستان في ناحية آمُل من بلاد المشرق الإسلامي ولد الإمام محمد بن جرير الطبري عام 224هـ وتوفي عام 310هـ عن ستة وثمانين عاماً قضاها في العلم والعمل والتصنيف، ورزقه الله القبول فسارت تصانيفه مسير الشمس والقمر، فقد أوتي رحمه الله قدرة وبراعة على التصنيف، وواسطة عقد مصنفاته رحمه الله تفسيره العظيم (جامع البيان في تأويل آي القرآن)، ذلك الكتاب الذي لو سافر مسافر إلى الصين من أجل تحصيله ما كان ذلك كثيراً في حقه كما قال أبو حامد الإسفرايني عندما طالعه. [طبقات المفسرين للداوودي 2/ 106] واستعار ابن خزيمة تفسير ابن جرير من ابن بالويه ثم رده بعد سنين، وقال: (نظرت فيه من أوله إلى آخره فما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير) [سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 272].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما التفاسير التي في أيدي الناس، فأصحها تفسير ابن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي) [مقدمة التفسير لابن تيمية].
هذا التفسير النفيس لقي من العناية في حياة مصنفه وبعده ما لم يلقه كتاب آخر، وتنافس العلماء والأمراء في اقتنائه وشراءه، ولا زال إلى يوم الناس هذا في المقدمة بدون منازع، على كثرة المصنفات في التفسير، فإنها – ولا أبالغ – قد زادت على الألف.
وفي العصور المتأخرة فُقِدَ كتابُ ابن جرير ولم يكد يوجد منه إلا نقول هنا وهناك حتى قال المستشرق الألماني (نيلدكه) عام 1860م بعد اطلاعه على بعض فقرات من هذا الكتاب "لو حصلنا على هذا الكتاب لاستطعنا أن نستغني عن كل كتب التفسير المتأخرة عليه، ولكنه يبدو - للأسف - مفقوداً بالكلية) [مذاهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر ص 108].وقبل ذلك لم يذكره إسماعيل البغدادي في كتابه (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون).
¥