تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(يتحنّث) بمعنى يتحنّف، أي: يتعبّد ويوحّد ربّه، لذلك جاء في حديث بدء الوحي عند البخاري: " فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " هي بمعنى يتحنّف، أي: يتبع الحنيفيّة وهي دين إبراهيم، والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم، وقد وقع في رواية ابن هشام في السّيرة " يتحنف " بالفاء ".

وقالوا: (المغافير) كما قالوا: المغاثير، حكاه أبو حنيفة الدينوري في " النّبات " [10]، والمغافير جمع مُغْفُور -بضمّ أوّله-، وهو نبات كالصّمغ طيّب الذّوق إلاّ أنّه إذا مُضغ أبقَى رائحة كريهة، وقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ)) فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ.

وقالوا: (جَدَفٌ) وجَدَثٌ للقبر. قال الجوهريّ في " الصّحاح ": " والجَدَفُ القَبْرُ، وهو إبدال الجَدَثِ " قال ابن منظور: " والعرب تُعَقِّبُ بين الفاء والثاء في اللغة، فيقولون جَدَثٌ وجَدَفٌ، وهي الأَجداثُ والأَجْدافُ ".

وقالوا: وقع في عافُور شَرٍّ وعاثُورِ شر، أي: في شدّة [11].

الوقفة الثّانية: قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة: من الآية:61].

اختلف أهل التّفسير في معنى (الفُوم) على قولين:

فقال بعضهم: هو الحنطة والخبز، وحكى أهل اللّغة: فَوِّمُوا لنا بمعنى اختبزوا لنا. وهذا القول قول عطاء، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وأبي مالك، والسدّي، وابن زيد، وهي رواية عن ابن عبّاس من طريقَيْ عليّ بن أبي طلحة والضّحاك.

وقال الزجّاج في " معاني القرآن " [12]: " لا اختلاف بين أهل اللّغة أن الفُوم الحِنطة، وسائرُ الحبوب الّتي تختبز يلحقها اسم الفُوم، قال: ومن قال الفُوم ههنا الثُّوم، فإنّ هذا لا يعرف، ومحال أن يطلب القوم طعاماً لا بُرَّ فيه وهو أصل الغذاء، وهذا يقطع هذا القول".

وقال آخرون: هو الثّوم، وهي رواية عن مجاهد، وقال به الرّبيع بن أنس، ومقاتل والكسائيّ والنّضر بن شميل وابن قتيبة.

قال ابن جرير الطّبريّ رحمه الله: " وهو في بعض القراءات: {وَثُومِهَا} ... وذكر أنّ ذلك قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .. فإن كان ذلك صحيحا، [13] فإنّه من الحروف المبدلة، كقولهم: وقعوا في عاثور شرّ وعافور شرّ، وكقولهم للأثافيّ: أثاثيّ؛ وللمغافير، مغاثير، وما أشبه ذلك ممّا تقلب الثّاء فاء والفاء ثاء، لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء " اهـ.

قال الفرّاء في " معاني القرآن " [14]: " وكأنّه أَشبه المعنيين بالصّواب، لأنّه مع ما يشاكله من العدس والبصل، والعرب تبدل الفاء ثاءً، فيقولونَ: جَدَفٌ وجَدَثٌ للقبر، ووقع في عافُور شَرٍّ وعاثُورِ شرّ " اهـ. وكذا قال ابن قتيبة رحمه الله [15].

فكلّ من القولين قريب، حتّى من أراد أن يذهب مذهب الفريق الأوّل، فإنّه يمكن أن يقول: قراءة الثّوم لا تعارض ولا تعكّر صفو القراءة المشهورة، لأنّه يكون حينئذ الثّوم بمعنى الفوم الّذي هو الحنطة، وقد قال الإمام اللّحيانيّ: " هو الثُّوم والفُوم للحنطة، قال أبو منصور: فإن قرأَها ابن مسعود بالثّاء فمعناه الفوم وهو الحنطة ".

والله أعلم، وأعزّ وأكرم.

[1] " اقتضاء الصّراط المستقيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص 203).

[2] " مصنّف عبد الرزّاق " (1/ 411)، رقم (1609)، وأخرجه أيضا البيهقيّ في " السّنن الكبرى " (9/ 234).

[3] " مصنّف ابن أبي شيبة " (9/ 11)، رقم (6332).

[4] " مصنّف ابن أبي شيبة " (9/ 11)، رقم (6333).

[5] " المدوّنة " برواية سحنون عن ابن القاسم (1/ 62،63).

[6] " اقتضاء الصّراط المستقيم " (ص 204).

[7] " مجموع الفتاوى " (32/ 255).

[8] (ص 206)

[9] " اقتضاء الصّراط المستقيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ص 207).

[10] حكى ذلك عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله ().

[11] " لسان العرب " مادّة (عفر).

[12] " معاني القرآن وإعرابه " للزّجّاج (1/ 143).

[13] فاعلم أنّ هذه القراءة صحّت عن ابن مسعود وابن عبّاس وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم جميعا، انظر: " معاني القرآن " للفراء (1/ 41)، و" تفسير غريب القرآن " (ص 51)، و" المحتسب " (1/ 88)، و" زاد المسير " (1/ 89).

[14] " معاني القرآن " (1/ 41).

[15] " تفسير غريب القرآن " (ص 51).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير