تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[البيان و التوضيح لما في العامية من الفصيح 5]

ـ[مهدي أبو عبد الرحمن]ــــــــ[29 - 12 - 08, 07:40 م]ـ

البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (5)

[/ URL] (http://www.manareldjazair.com/index2.php?option=com_*******&task=view&id=468&pop=1&page=0&Itemid=7) بقلم: عبد الحليم توميات

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

(حرف الجيم)

جاح: كلمة كثيرا ما نسمعها حال المنافسة والمسابقة، وتعني الخروج عن الحقّ لعدم الرّضا بالنّتيجة، فيقولون (جاح)، و (يجوح)، وهو: (جوّاح)، وهي كلمة فصيحة، سالمة صحيحة، فقد قال ابن منظور في " اللّسان ": " وجاحَ يَجُوح: إِذا عَدَل عن المَحَجَّة إِلى غيرها".

وربّما كان أصلها من الجَوح والاجْتِياح، وهو: الاستئصال، تقول: جاحَتهم السَّنة واجتاحَتْهم، أي: استأْصلت أَموالهم، وسَنَة جائحة، أي: جَدْبة، فكأنّ الّذي يحيد عن المحجّة يريد أن يستأصل حقّ غيره.

[ U] ولنا مع هذه الكلمة فوائد:

الأولى: من مباحث الفقه وأبوابه (وضعُ الجوائح) والجوائح جمعٌ مفرده (الجائحة) وهي ما يُصيب الزّرع والثّمار من آفات لا صنيع للآدميّ فيها، كالرّيح والجراد والسّيل ونحوها. روى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ((أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ) وروى أيضا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْجَوَائِحُ: كُلُّ ظَاهِرٍ مُفْسِدٍ مِنْ مَطَرٍ، أَوْ بَرَدٍ، أَوْ جَرَادٍ، أَوْ رِيحٍ، أَوْ حَرِيقٍ.

ومعنى ذلك أنّ الثّمرة إذا بيعت بعد بدوّ الصّلاح، وسلّمها البائع إلى المشتري بالتّخلية بينه وبينها، ثمّ تلفت قبل أوان الجذاذ فإنّها من ضمان البائع، وهو مذهب مالك وأحمد رحمهما الله، وذهب الجمهور إلى أنّه بمجرّد التّخلية فإنّها من ضمان المشتري.

والصّواب -والله أعلم- قول الإمامين مالك وأحمد، لما رواه مسلم أيضا عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!)).

ومفهوم ذلك أنّه لو تلِفت قبل التّسليم فلا خلاف في أنّها من ضمان البائع.

الثّانية: من مصادر الفعل (جاح) الجَوْح والجِيَاحَة! .. و (الجياحة) لفظة يُطلقها العامّة على كلّ تصرّف غبيّ سفيه .. فلعلّهم أرادوا بذلك: العدول عن المحجّة والصّواب، أو أنّهم أطلقوا المصدر وأرادوا اسم المفعول، فيكون المعنى: مجتاح العقل والحكمة. وإطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول لا يكاد يُحصَى في كلام العرب، فتطلق القرض على المقروض، والرّهن على المرهون وغير ذلك. فالسّفيه لمّا كان قد استُأصِل رُشده وعقلُه أطلق عليه ذلك.

ولك أن تقول: فلماذا قالوا: (جايح)، وكان القياس أن يقولوا: مجوح، فهو ليس فاعلا وإنّما مفعول به؟

فنقول بيانا لعلقة العامّية بالفصاحة، راجين أن نكون قد جانبنا الجِياحة: الجواب من وجهين:

أوّلا: أنّ اسم الفاعل والصّفة المشبّهة تعني قيام الصّفة بالاسم، وليس بالضّرورة أن يكون فاعلا لها، ألا ترى أنّك تعتبر (ميّت، ومريض) من أسماء الفاعلين؟

ثانيا: من بلاغة العرب أنّهم يطلقون اسم الفاعل ويريدون اسم المفعول أحيانا، كما أنّهم يطلقون اسم المفعول ويريدون اسم الفاعل، وهو ما يعرف بالمجاز العقليّ، قال الخطيب القزويني رحمه الله: " هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأويل ".

فانظر مثلا إلى قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} [الإسراء]، والحجاب يكون ساترا لا مستورا، ولكن لو قال (ساترا) لاحتمل أن يكون السّتر خفيفا، فلمّا قال (مستورا) فهمنا أنّه شديد قويّ منيع، فكأنّه لكثافته مستور بستر آخر، ونظيره قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [من الأنعام: 25] فهو غطاء فوق غطاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير