تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مناقشة قضية الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام]

ـ[أم صفية وفريدة]ــــــــ[28 - 01 - 09, 06:10 ص]ـ

لقد وقفت العلماء وقفات عديدة أمام المراد من قوله تعالى: {وعلم ءادم الأسماء كلها}

وهناك سؤال يطرح نفسه: لماذا خُصت الأسماء بالذكر في قوله تعالى: {وعلم ءادم الأسماء كلها} دون ذكر الأفعال أو الحروف؟

ليس لدي جواب مقطوع به أو رواية مقطوع بها في هذا الأمر، فكل ماقيل في كتب التفسير عن المراد بالأسماء اجتهاد بالرأي، وليس فيه نص قطعي الثبوت، وقد بحث العلماء المراد بالأسماء، وجميعهم يتفقون على أن المراد بالأسماء أسماء الذوات أو المسميات، لكنهم اختلفوا في الأشياء التي تعلم ءادم أسماءها، هل هي أسماء كل شيء وقع بصره عليه، أم أسماء ذريته أم غير ذلك؟

وقد رجح ابن كثير الرأي الأول: " والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها " {1}. وجاء في الإصحاح الثاني من العهد القديم: " وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى ءادم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به ءادم ذات نفس حية فهو اسمها، فدعا ءادم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية " {2}.

وليست قضيتنا بحث المقصود بالأسماء أو ماترمز إليه، لكن الذي يهمنا في هذا المقام هو ما أغفل عنه كثير ممن بحث المراد بالأسماء، ألا وهو لماذا علم الله تعالى ءادم الأسماء وخصها بالذكر دون عنصرين آخرين من مكونات اللغة، وهما الأفعال والحروف، وهل المراد بالأسماء عين الأسماء أو الرموز التي يبحثها علماء النحو ضمن مكونات الكلام أم المراد بها شيئًا ءاخر لانعلمه؟

ليس أمامنا سوى أن نأخذ بالمتاح لنا من علم في ذلك، وهو ماجاء عن بعض المفسرين أن المراد بها الرموز التي تشير إلى أعيان أو موضوعات أشياء حسية أو معنوية، ولكن لماذا اختصها الله تعالى بالذكر من بين مكونات الكلام الأفعال والحروف؟

وقد نجد جوابًا شافيًا في كلام العلماء في حديثهم عن الأسماء، وأسبق ماقيل في هذا الشأن ماقاله ابن سينا في حديثه عن اكتساب اللغة من خلال تصوره لهيئات الأشياء الحسية، فترتسم صورها في النفس على نحو ما أداه الحس، ثم تتحول هذه الصور المرتسمة في النفس إلى معان مجردة، فقد انقلبت الأشياء المرتسمات في الحس عن هيئتها المحسوسة إلى التجريد، ثم رمز الإنسان إلى تلك المعاني المجردة في نفسه برموز صوتية يستطيع الإنسان التلفظ بها، ليعرب عما في نفسه، ويحقق مقاصده {3}.

وقد أشارت الآية الكريمة أن ءادم عليه السلام تلقى أسماء الأشياء التي تعلم أسماءها وحيًا، فقد نسب الله تعالى تعليم ءادم إلى ذاته العلية، فقال: {وعلم ءادم}. ولاشك أن ءادم هبط إلى عالم لم ينشأ فيه غير مألوف إليه ويحتاج إلى اكتساب معلومات عنه، فعلمه الوحي مايحتاج إليه، للتعرف على مسميات هذا العالم بظروفه القاسية والمعاناة التي لم يألفها ءادم من قبل.

واللغة يتلقاها الإنسان تعليمًا وتدريبًا وتلقينًا، فالطفل لايتكلم اللغة إلا بعد أن تكتمل لديه أعضاء النطق وتقوى على الأداء، ثم يتدرب على نطق بعض الكلمات السهلة أولًا، وهي الأسماء المألوفة دون الأفعال، وخاصة الأسماء التي تستخدم في محيط الأسرة، مثل أسماء الأب والأم والإخوة، وهذا يعني أن الأسماء تأتي أولًا، ثم الأفعال، وأن اللغة تبدأ بالأسماء ثم تصنع منها صيغ الأفعال، مثل صناعتنا أفعال من أسماء دخيلة وجامدة، نحو: مغناطيس: مغنط، تلفزيون: تلفز، والجامد مثل: أسماء الأفعال الجامدة نحو: آه: تأوه، وأف: تأفف، ومثل اشتقاق صيغ أفعال من الأصوات، نحو: عوى من العواء، وزأر من الزئير، وموأ من مواء القطة، وهبهب من صوت الكلب، وتف من صوت البصق ....... إلخ.

والطفل في بدء تعلمه يحاكي الأصوات أولًا ويتعرف على الناطق أو ماله صوت، ثم يتعرف على الساكن، ومن الحقائق العلمية أن الطفل لايستطيع أن يكتسب القدرة على نطق أصوات أي لغة من اللغات إلا من خلال تعلم المسميات أولًا، والآية الكريمة {وعلم ءادم الأسماء كلها} تؤكد أن نشأة نطق أصوات لغة الكلام متصلة اتصالًا مباشرًا بنشأة وتطور الإنسان والبشرية، وقد خصت الآية الكريمة الأسماء بالذكر دون بقية مكونات اللغة (الأفعال، والحروف) وهي المرحلة الأولى من تعلم اللغة بعد أن هبط ءادم إلى الأرض.

وقد أفرد السيوطي مكانًا في كتابه " الأشباه والنظائر في النحو " نقل فيه عن بعض العلماء أن الاسم أصل للفعل والحرف، ونقل عن عمر بن محمد الشلوبين الأندلسي (ت645هـ) الذي رأى أن الاسم أصل للفعل والحرف، " ولذلك جعل فيه التنوين دونهما ليدل على أنه أصل، وأنهما فرعان، قال: وإنما قلنا إن الاسم إصل والفعل والحرف فرعان؛ لأن الكلام المفيد لايخلو من الاسم أصلًا، ويوجد كلام مفيد كثير لايكون فيه فعل ولا حرف، فدل ذلك على أصالة الاسم في الكلام وفرعية الفعل والحرف فيه، وأيضًا فإن الاسم يخبر به ويخبر عنه، والفعل لا يكون إلا مخبرًا به، والحرف لا يخبر به ولا يخبر عنه، فلما كان الاسم من الثلاثة هو الذي يخبر به ويخبر عنه دون الفعل والحرف دل ذلك على أنه أصل في الكلام دونهما " {4}.

وذلك أن الأفعال أحداث الأسماء، أما الحروف، فإنما تدخل على الأسماء والأفعال لمعان تحدث فيها، وإعراب تؤثره، وقد دللنا على أن الأسماء سابقة للإعراب، والإعراب داخل عليها " {5}.

وهذا هو مبلغ علمنا ولا نستطيع أن نزيد على ذلك تخرصًا.

من محاضرات مدخل نظري في اللغة العربية

الدكتور: محمود عكاشة

دكتور لغة عربية في جامعة الإسكندرية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 - تفسير ابن كثير، المكتبة التوقيفية م1/ 74

2 - الكتاب المقدس، دار الكتاب المقدس صـ 5، 6

3 - العبارة، ابن سينا، تحقيق محمود الخضري، الهيئة المصرية للكتاب صـ 1، 2

4 - الأشباه والنظائر جـ 1/ 64

5 - نفسه

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير