تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[البيان و التوضيح لما في العامية من الفصيح 1]

ـ[مهدي أبو عبد الرحمن]ــــــــ[29 - 12 - 08, 07:28 م]ـ

البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (1)

بقلم: عبد الحليم توميات / إمام خطيب مسجد عمر بن الخطاب بالجزائر العاصمة

(الهمزة)

- أُبّيْ: هذه اللّفظة يستعملها أهل الرّيف والبدو خاصّة، وهي تصغير لكلمة " أب " مضافة إلى ياء المتكلّم، أو إلى غيرها من الضّمائر، فيقولون: أبيّك، وأبيّو، وأبّيهم .. الخ، والأصل: أَبِي، فعند التّصغير يقال: أُبَيَّ، إلاّ أنّهم يفخّمون ويشدّدون الباء، وليت شعري ما الّذي حملهم على ذلك؟ أهو الشّعور بذنب التّصغير والتّحقير لهاته الكلمة الشّريفة الّتي عظّمها العليّ القدير، وأشاد بها البشير النّذير؟ أيريدون أن يكفّروا عن التّصغير بالتّشديد والتّفخيم؟

فإن كان ذلك هو الحامل لهم على التّفخيم، فإليهم بُشرى من أخ لهم حميم، وهو أنّ التّصغير لا يفيد دائما التّحقير، فإنّه قد يفيد أحيانا التّعظيم والتّقدير، وهو على ندرة وقلّة، لكنّه أفضل من تشديد الباء من غير علّة.

تقول العرب تكنِّي عن الدّاهية العظيمة: بعد الّتي واللّتياّ، على غير قياس، لأنّ اسم الموصول مبنيّ لا يدخله التّصغير.

ويشهد لذلك: قول لبيد رضي الله عنه-وهو من أصحاب المعلّقات أسلم وحسن إسلامه- في لاميّته:

(وكلّ النّاس سوف تدخل بينهم دُوَيهِيَّة تصفرّ منها الأنامل)

قال في " خزانة الأدب ": " وقد جاء التّصغير في كلامهم للتّعظيم، كقوله: " دويهيةٌ تصفرّ منها الأنامل "، أراد بالدّويهية الموت، ولا داهية أعظم منها ".

ومن الشّواهد على ذلك أيضا قول رجل (مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ) والحديث في صحيح البخاري، وكان ذلك يوم سقيفة بني ساعدة.

و (الْعُذَيْق) -بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة تَصْغِير عَذْق- وهو النّخلة، والمرجَّب -بالجيم- أي يدعّم النّخلة إذا كثر حملها.

و (الْجُدَيْل):-بالتّصغير أيضا- والجدل عود ينصب للإبل الجرباء لتحتكّ فيه، لذلك وصفه بـ: (الْمحكّك)، فأراد رضي الله عنه أنّه يستشفى برأيه [انظر " فتح الباري "].

والشّاهد، أنّه صغّر هاتين اللّفظتين وهو لا يريد التّحقير، ولكنّه يريد المدح والتّعظيم.

فقد بانت لكم بذلك طريق ومحجّة، وهو مذهب الكوفيّين وحسبكم بهم حجّة.

ثمّ اعلم يا أُخَيَّ، أنّ التّصغير قد يستعمل للاستعطاف والترحّم والتّقريب، وكلّ هذه المعاني يشملها تصغيرك لكلمة " أبي "، ويدلّ على ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلّم –كما في الصّحيحين وهو يتحدّث عمّن تمنعهم الملائكة من ورود الحوض-: ((أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي)) فهو صلّى الله عليه وسلّم –على أحد التّأويلات- مشفق متحسّر عليهم.

فوائد عارضة:

- الأولى: لاميّة لبيد رضي الله عنه هذه، منها البيت الّذي قال عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: " أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ ")) [رواه البخاري]، وتتمّته: " وكلّ نعيم لا محالة زائل "، ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يتمّه لبطلان معنى العموم الّذي حواه، فإنّ نعيم الجنّة دار السّلام لا ينفد. وقيل: لم يُتمّه لأنّه صلّى الله عليه وسلّم منزّه عن قول الشّعر، وما ثبت أنّه أنشده إنّما هو بيت أو بيتان من الرّجز الّذي لم يعدّه بعضهم شعرا، والصّواب القول الأوّل والله أعلم.

- الثّانية: قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي)) لا يعني به أصحابه الّذين نصروه وعزّروه واتّبعوا النّور الذي أنزل معه باتّفاق علماء أهل السنّة، وإنّما المقصود إمّا المنافقون الّذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، أو أهل الرّدّة وجُفاة العرب، لذلك حمل بعضهم التّصغير في هذا الحديث على التّقليل، فقد كانوا قلّة. كما أنّه يحمل أيضا-كما ذكر النّوويّ- على العصاة وأهل البدع من هذه الأمّة الّذين غيّروا وبدّلوا، لذلك جاء في رواية الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ أنّه صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فَلَيُقَطَّعَنَّ رِجَالٌ دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: يَا رَبِّ أُمَّتِي! أُمَّتِي!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير