[المقامة اللفظية الثالثة ـ أبو همام الجزائري]
ـ[بلال الجزائري]ــــــــ[21 - 01 - 09, 07:43 م]ـ
المقامة اللفظية الثالثة
6 - باب الفحص عن الأمر
7 – باب في اللوم
8 - باب في التوبة
قصة السلطان و الرعية و المسؤول عن القضية؟؟
حدثني أبو همام الجزائري قال:
زعموا أنه كان سلطان،في سالف الأزمان، يحكم وطنا من الأوطان، كانت سيرته مع الرعية، على الطريقة المرضية، فكان يقسم بالسوية، و يعدل في القضية، حتى مرت الليالي و الأيام، و توالت السنون و الأعوام، مرض السلطان، فجمع الأهل و الولدان، و أوصاهم بالعدل و الإحسان، و عهد لابنه بالولاية، و دعا له بالتوفيق و الهداية، مات السلطان، و حكم أكبر الشبان، و كان عاصيا ضعيف الإيمان، ضاعت الهيبة، و حلت الخيبة، فطمع الإخوة في السلطان، ونزغ بينهم الشيطان، حتى استعانوا بعدوهم خارج الأوطان، فتفرقت البلاد، و اختلف العباد، و ادعى العدو الحياد ....
و بعد زمان يسير، أغار العدو الخطير، على الوطن الكبير، و قال:
يا معشر الإخوة! لقد فحصت عن الأمر فحصا، و بحثت بحثا، و نقرت عنه تنقيرا ....
وأحفى القوم في المسألة،حتى صارت عندنا مشكلة، و أمعنوا في الفحص،و استعملوا كل شخص، و تعمقوا في البحث زمنا ... فلم يجدوا لهم وطنا، يكون لهم أمنا و سكنا، إلا أرضكم الخصبة، فلا تحسبوها نكبة، و كونوا لهم أفضل صحبة، مع حسن عشرة و محبة!! ....
و تمر الأعوام، ويقدم اللئام، بالوعد الحرام، إلى أرض الخير و السلام، فتعم الفوضى ويحل الظلام ....
فدهش الإخوة، وأخذتهم النخوة، و تذكروا الوصية، بعد وقوع البلية، فاجتمعوا من جديد، ليخرجوا برأي سديد ...
فقال أحدهم: لقد فررت عن الأمر فرّا و فِرارا (1)، و فليت عنه فليا .....
و فتشت عنه تفتيشا، و نقبت عنه تنقيبا، و سألت عنه أحفى مسألة، و استبرأته استبراء.
فوجدت أن الخلاف، و الفرقة و الاختلاف، سبب ضعفنا يا أشراف، فلا بد من الإقرار والاعتراف ....
.................................................. .......
فأخذ أخوه يعاتبه، و يجادله و يحاسبه ....
فقال له أعقلهم: لقد لمت الرجل لوما،كأنك ما فهمت يوما، و عذلته عذلا،كأن الصعب سينقلب سهلا، و أنّبته تأنيبا، و تظن نفسك مصيبا، و قرعته تقريعا،و تبغي حلا سريعا، و فندته تفنيدا،و ترجوفوزا أكيدا، ووبخته توبيخا، و بكّته تبكيتا، و لحيته لحيا، و عنفته تعنيفا ..... (6)
و لقد قرصته بعض القرص، وعذمته بعض العذم، و استبطأته .....
فتكلم رجل فقيه من الرعية و قال:
لقد استذمت الرعية، و استلامت، و ألامت (2)
و ما زلنا نتجرع فيكم الملائم، و الملاوم، و اللوائم ...
و لا يلوم اليوم أحدكم غير مليم، ولا يذم غير ذميم، فكلنا فيالذنب سواء، حتى تكالب علينا الأعداء ....
و أنحى كل فلان على فلان باللائمة، متجاهلا نفسه الظالمة ...
و أحال عليه بالتعنيف، يريد لنفسه البراءة والتشريف.
قائلا في نفسه: لمته و قبحت فعله، و فيلت رأيه، وذممت إليه رأيه ...
و في الأمثال "رب لائم مليم، و رب ملوم لا ذنب له"
.................................................. .................
و فجأة دخل شيخ وقور، عليه البهاء و النور، و أخذت عيناه تحوم و تدور، في وجوه الإخوة الحضور ....
فحيى وسلم، وأخذ يتكلم ......
أيها المسلمون، أيها الحكام و المحكومون ....
لا نجاة لكم من هذه النكبة، إلا بالرجوع إلى الله والتوبة ...
فأيما رجل تاب، ورجع إلى الله وأناب، و فاء فيئا و فيئة إلى الحق و الصواب.
وغسل إساءته، و محا ذنبه، و عفى على ما كان من جرمه، وأعتب إعتابا (3)
و أقلع عنه إقلاعا، و نزع عنه نزوعا ....
و استفاق استفاقة، و ارعوى ارعواء، وانتهى انتهاء ....
و ارتدع ارتداعا، و انقمع انقماعا ...
و انزجر انزجارا،و أقصر إقصارا. (4)
... فإن ارتد أحدكم عن حقه و أرضه لأهل الرجس ....
و انتكث و نكص على عقبيه و ارتكس (5) ....
فلا يلومن أحدكم أحدا إلا النفس ....
وإلا فليقل ضاعت فلسطين ضاع الأقصى ضاعت القدس ....
كتبه: أبو همام الجزائري
سلسلة المقامات اللفظية ـ3ـ
الجزائر العاصمة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و يقال في المثل (إن الجوّاد عينه فراره) أي يغنيك بشخصه عن اختباره
(2) إذا فعل فعلا يلام عليه فهو مُليم.
(3) و الاسم العتبى، و هي المراجعة
و قال هرمز: لا تسموا الاعتاب استكانة، و لا المعاتبة مفاسدة، و لا التعتب استعلاء، و لا البغضاء معاتبة. اهـ
ـ أعتب الرجل إذا تاب و عتب اذا غضب و تعتب اذا تجنى و عاتب اذا احتج و أعتب فلان فلانا بمعنى أرضاه.
ـ وقال خلف الأحمر: أشكيت الرجل اذا أتيت اليه ما يشكوك عليه، و أشكيته اذا رجعت له مما يشكوه إلى ما يحبه.
(4) يقال: أقصرت عن الشيء إذا نزعت عنه، و قصرت عنه اذا عجزت عنه قصورا، و قصرت فيه اذا فرطت فيه
و في الأمثال "أقصر لما أبصر"
(5) تقول اذا رجع عن توبته.
(6) فهي المعاتبة، ثم اللوم، ثم التقريع، ثم التوبيخ، ثم التأنيب ....