تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من رثاء النفس في الشعر العربي]

ـ[عبد الرازق حويزي]ــــــــ[21 - 12 - 08, 04:02 م]ـ

[من رثاء النفس في الشعر العربي]

عبد الرازق حوزي

عرف فن الرثاء في الشعر العربي منذ وجد الشعر قبل الإسلام بحوالي مائة وخمسين سنة، وأثرت لهذا العرض الشعري الآسر العديد من النماذج الشعرية للعديد أساطين الشعراء على مر العصور، فقد كان كثير من الشعراء ينتحبون، ويتقطعون حسرة وألمًا، ويعبرون عن ذلك في أبيات فياضة بالمشاعر، تلامس شغاف القلوب، فتهز الأحاسيس، إذ تضع الإنسان أمام المصير المحتوم الذي لا فرار منه، ومن شعراء هذا اللون الشعري " طرفة بن العبد البكري " و" عبد يغوث بن وقاص الحارثي "، كما يقول البغدادي في خزانته، ولعل القصيدة المروية لـ"مالك بن الريب التميمي الشاعر الأموي " في خزانة الأدب وبعض المصادر من أشهر ما عرف في هذا اللون بما قال فيها عندما شعر بقرب أجله في " مرو" بعيدًا عن وطنه وأهله وعشيرته: (انظر جمهرة أشعار العرب):

وَلَمّا تَرَاءَتْ عِنْدَ مَرْوٍ مَنيّتي ***** وَحَلَّ بِهَا جِسْمي، وَحَانَتْ وَفَاتِيا

أَقُولُ لأصْحابي ارْفعوني لأنّني ** **** يَقِرّ بِعَيْني أن سهَيلٌ بَدَا لِيا

فيا صاحبَي رحلي! دنا المَوْتُ فَأنزلا **** بِرابِيَةٍ، إنّي مُقِيمٌ لَياليِا

أَقيما عليّ اليَوْمَ أو بَعْضَ ليلةٍ **** ولا تُعْجِلاني قد تبيّنَ ما بِيا

وَقوما، إذا ما استُلّ روحي، فهيّئا **** ليَ القبرَ والأكفانَ، ثُمّ ابكيا ليا

وخُطّا بأطْرَافِ الأسِنّةِ مضجعي **** ورُدّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا

ولا تحسُداني باركَ اللَّهُ فيكما **** من الأرْضِ ذَاتِ العَرضِ أن توسِعا ليا

خُذَاني فجُرّاني بِبُردي إليكما **** فقد كُنْتُ قبل اليوم صَعباً قياديا ....

يقولون: لا تُبْعَدْ وهُم يدفِنونني **** وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلاّ مَكانِيا؟

غَدَاةَ غَدٍ يا لَهْفَ نَفْسي على غدٍ **** إذا أَدْلجوا عني وخُلّفتُ ثاويا

وَأَصْبَحَ مالي من طَريفٍ وتالدٍ **** لِغَيْري وكان المالُ بالأمسِ ماليا ...

ويا لَيْتَ شعري هل بَكَتْ أُمُّ مالكٍ **** كما كُنْتُ لَوْ عَالَوا نَعِيَّكَ باكيا

إذا مُتُّ فاعْتَادي القُبُورَ وسلّمي **** على الرَّيمِ، أُسقيتِ الغَمامَ الغَواديا

تَرَيْ جَدَثاً قد جَرّتِ الرّيحُ فوقَه **** غُباراً كلونِ القسْطَلانيّ هَابِيا

رَهِينة أَحْجَارٍ وتُرْبٍ تَضَمّنَتْ **** قَرارَتُها منّي العِظَامَ البَوالِيا

فيا راكِباً إمّا عَرَضتَ فبلّغَنْ **** بني مالكٍ والرَّيْبِ أنْ لا تلاقِيا

وَبَلّغ أخي عِمران بُردي وَمِئزَري **** وبلّغ عَجُوزي اليومَ أن لا تدانيا

وَسَلّمْ على شيخيّ مِنيّ كِلَيْهِما **** وبلِّغ كَثيراً وابْنَ عمّي وخَاليا

وعطِّل قَلوصي في الرِّكاب فإنّها **** ستُبرِدُ أكباداً وتُبكي بَواكِيا

أُقَلبُ طَرْفي فَوْقَ رَحْلي فلا أرَى **** بِهِ من عُيُونِ المُؤْنِساتِ مراعِيا

وبالرَّملِ منّي نِسْوَةٌ لو شَهِدنَني **** بَكَيْنَ وَفَدّيْنَ الطّبيبَ المُداويا

فمِنْهُنّ أُمّي، وابْنتاها، وخالتي **** وباكِيَةٌ أُخرى تَهِيجُ البَواكِيا

وما كانَ عَهْدُ الرّمْل منّي وأهلِه **** ذميماً، ولا بالرّمْل ودّعْتُ قَاليا

وتعد هذه القصيدة من فرائد الشعر العربي بما تحقق فيها من قوة العاطفة وثباتها وأصالتها، وصدق الشاعر في التعبير عن هذا الموقف الأليم الذي يجد الإنسان نفسه مقدمًا على أمر عصيب، لا محيد عنه، ولا ملجأ من الله إلا إليه.

وفي ديوان الشعر العربي كثير من النماذج الجيدة التي صدرت من الشعراء تحت دافع أصيل لذا جاءت في الذروة من السمو الفني، يقف القارئ على بعض هذه النماذج في دواوين بعض الشعراء، وفي كتاب الحماسة البصرية، حيث خصص مصنف هذا الكتاب بابًا تحت عنوان:" نُبَذٌ مِن قَوْلِ مَنْ رَثَى نَفْسَه حَياًّ "، وبدأه بقصيدة مالك بن الرِّيْب "، وأورد إثرها بعض النماذج الأخرى الجيدة " لعبدة بن الطبيب "، و " ابن أحمر الباهلي "، و " لبيد بن ربيعة "، و" أراكة بن عبد الله الثقفي "، و " هدبة بن الخشرم "، و " أبي الطمحان القيني "، فكان مما أورده من فاخر الشعر وحر المعاني قول " أبي الطَّمَحان القيْنِيّ":

ألا عَلِّلانِي قَبْل نَوْحِ النَّوائِحِ ****** وقَبْلَ ارْتِقاءِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوانِحِ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير