فهذه أهداف نبيلة، إلا أن طريقة الأعمال التي اتّبعت لتحقيقها لم تتغيّر منذ أن أسست أقدم هذه المجامع، بل يجوز أن نقول بأنها تقوقعت بعد أن كانت تفتح أبوابها لجمهور المثقفين في شبابها (بإلقاء المحاضرات والمناقشات بكيفية دورية).
وقد أنشئ منذ عهد قريب "اتحاد للمجامع العربية"، وكان المفروض أن يقوم بالتنسيق بين أعمال المجامع، وخاصة في توحيد المصطلحات، فاختلاف الاستعمال بين قطر وآخر سببه الأهم هو عدم وجود إقرار رسمي يصدر من جهة معترف بها كاتحاد المجامع للمصطلحات التي وضعتها المجامع أو التي دخلت في الاستعمال في بعض البلدان. وكان يجب أن تلتزم كل دولة عربية بإدخالها في التعليم واستعمالها في الإعلام وجميع القطاعات.
فإذا حصل هذا الالتزام على مستوى جامعة الدول العربية، فيمكن أن تجرى الأعمال الخاصة بالمصطلحات بهذه الكيفية: فبما أن الوضع للمصطلحات هو عمل علمي دقيق، وبما أن اللغة لا تُفرض بالمراسيم بل باستعمالها في المدارس والجامعات وبسماع الناس لها في الإذاعة والتلفزة، فلا بد من اللجوء إلى الوسائل التالية:
يجب قبل كل شيء أن يكون الوضع للمصطلح منتظمًا ومخططًا، وأن ينطلق من المصادر الاصطلاحية الدولية الموثوقة لا من أي كتاب، ثم تقترح المصطلحات على جمهور المثقفين والاختصاصيين على شكل استفتاء بالنسبة للوطن العربي كله ولا يتم ذلك إلا بعد إجراء البحوث في التراث وفي الاستعمال الحالي.
أما النشر للمصطلح فيمكن أن يتم بوسائل الإعلام وبالإنترنت، كما يتم المسح الشامل للاستعمال في الذخيرة العربية، وبها تعرف درجة شيوع المصطلح (الذي دخل في الاستعمال). ويختار المصطلح بالمقاييس اللغوية التي وضعت منذ زمان، ثم يلجأ إلى مقياس الشيوع إذا اختلفت ولا مناص من ذلك. كما لا بد من توزيع هذه الأعمال على كل المجامع تحت إشراف اتحاد المجامع.
II صناعة المعاجم:
المجامع والاستعمال الحقيقي للغة:
تعوّد المجمعيون ومؤلفو المعاجم أن يجعلوا مصدر اللغة العربية الوحيد –بالنسبة لصنع المعاجم- هي المعاجم القديمة، وقد يلجأون على ذلك إلى بعض المعاجم من القرن التاسع عشر كأقرب الموارد وغيره. ولا يتصورون أن يكون الإنتاج الأدبي والعلمي القديم والحديث -أي الاستعمال الحقيقي للغة العربية (النصوص الحية) - مصدرًا على الإطلاق. وحتى النصوص التي تُعتبر مما يُستشهد به فلا يرجعون إليها أبدًا ما عدا ما هو مذكور كشواهد في المعاجم التقليدية.
ولا يعلم هؤلاء الزملاء أن ما يحتوي عليه كل معجم من المفردات يجب أن يكون كله مستخرجًا من مدونة لغوية تعتمد، وذلك لأسباب موضوعية، فإنها تمثل الاستعمال الحاصل بالنسبة إلى لغة معينة في زمان معين، وأعني بالاستعمال النصوص، فلا استعمال في المفردات المعزولة عن إطارها الطبيعي وهو الخطاب الذي سُمع بالفعل ودوّن منسوبا إلى أصحابه.
فحان الوقت أن يقوم الواضعون بما يقوم به كل لغوي: تدوين الاستعمال بالشروط العلمية المطلوبة. ولذلك ينبغي أن تنظم إحدى الجامعات أو مراكز البحوث ندوة تمهيدية لدراسة موضوع: تأليف المعاجم اللغوية ومناهجها. ثم تكوّن لجنة دولية للنظر في التدابير التي يجب اتخاذها في هذا الميدان.
كما ينبغي التنبيه على أن الذخيرة العربية ستكون أيضًا مرجعًا لتأليف المعاجم المختلفة؛ لأنها ستجمع التراث الأدبي والعلمي العربي، وأهم ما ينتجه العرب في زماننا. كل هذا في مدونة محوسبة يمكن أن تقوم بالبحث عن أي جانب لغوي من خلال مئات الآلاف من النصوص القديمة والحديثة، ويجيب على كل سؤال يطرح عليها. وهذا بفضل محركات البحث (في اصطلاح الحاسوبيات) وهي موجودة من الآن. ولا نتصور أن يوضع أي معجم ولا أن تدرس أية مسألة لغوية ولا أي تحول دلالي عبر التاريخ بدون اللجوء إلى هذه الذخيرة.
III تعليم اللغة العربية ومناهجه:
وفيما يخص تعليم اللغة العربية، فالتجديد فيه يخص منهجية التعليم وطرائقه والمحتوى اللغوي لما يعلم، ومنه القواعد النحوية والصرفية.
¥