عليّ الفارسيّ عالم اللّغة والنّحو "ففي سنة 341 هـ جاء إلى حلب, إلى بلاط سيف الدّولة استدعاه إلى شيراز ليؤدّب أبناء أخيه خُسْروَهْ (كسرى) فنال حظوة عند عضد الدّولة وألّف له الإيضاح والتّكملة" 6 (عمر فروخ (د): تاريخ الأدب العربي – ج2 – دار العلم للملايين – ص537.).
وهذا أبو الفرج الأصفهاني (ت 356 هـ) يؤّلف كتابه الضّخم للوزير أبي الحسن محمّد بن الحسن المهلّبي .. ورغم أنّه كتاب أدب وشعر وليس كتاب تاريخ بالمعنى الاصطلاحيّ .. إلاّ أنّ هذا الكتاب كان تكأة المستشرقين والعلمانيّين وضعاف النّفوس في النّيل من تاريخ الإسلام وأهله .. وصار عمدة في تقييم التّاريخ الإسلاميّ .. وجلّ حجّتهم البالغة هذه القصص والحكايات التي ذكرها الأصفهاني عن المغنّيين وأهل الطّرب والمجون, حيث صار تاريخ السّلف الصالح إلى سنة 289 هـ عبارة عن مجموعة من المتاّمرين سفاكي الدماء .. ومجموعة من الحمقى همّهم القصف واللّهو .. هذا هو تاريخ الإسلام الذي قدّمه الأصفهاني للتاريخ لينال حُظوة آل بُويه .. ورغم أنّ أعلام المسلمين وأهل الحديث الموثوق في أمانتهم العلميّة قد فضحوا هذا الكتاب وحذّروا منه .. إلاّ أنّ هناك إصراراً عجيباً من قبل الدّارسين في هذا الزّمن من علمانيّين ومن على أشكالهم على الاعتماد عليه في كثير من تحليلاتهم المهترئة ..
فهذا الحفظ أبو الفرج بن الجوزي يقول عن الأصفهاني: "وكان يتشيّع ومثله لا يوثق بروايته، فإنّه يصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق, وتُهّون شرب الخمر وربّما حكى ذلك عن نفسه ومن تأمّل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر" 7 (ابن الجوزي: المنتظم ج6 ص40,41) وليس هذا رأي ابن الجوزي فقط بل جمهرة علماء الأمّة كالخطيب البغدادي وابن كثير وابن تيمية وغيرهم .. "وعلى كل حال فإنّ كتاب الأغاني كُتب في عهد آل بُويه، وتناول الغناء وما يتعلّق به مع أخبار شائنة منذ الجاهليّة إلى عهد الخليفة المعتضد بالله المتوفّى سنة 289 هجرية، وسكت عمّا بعد ذلك فهل انقطع الغناء؟ أم أنّه أراد أن يسكت قبل مجيء العهد البُويهي، لئلا يضطر إلى ذكر أشياء قبيحة لا يحسن ذكرها؟ لذلك نال الكتاب رضا آل بُويه، واتّفق مع رغبتهم وهواهم في تشويه تاريخنا، والدسّ والافتراء والكذاب على آل البيت النّبوي الشّريف، وعلى الأمويّين، وعلى أعلام أمّتنا ولذلك كان عضد الدّولة البُويهي لا يفارق كتاب الأغاني" 8 (السيف اليماني ص70).
وبعد .. إنّ كتابة التّاريخ الإسلاميّ تعرضت لتشويه متعمد من قبل السلطة وكان الإخباريّون والشّعراء أدوات السلطة في حملة التّشويه.
الدّولة المملوكيّة: (648 هـ إلى 923 هـ)
هذه الدّولة قد تعرّضت لحملة تشويه لكلّ من هبّ ودبّ في كتابة التّاريخ، وصارت أنموذج الانحطاط الحضاريّ والأدبيّ واللّغويّ حتّى وصمت بكلّ الموبقات .. فلا تجد نقيصة إلاّ في العهد المملوكيّ .. على سبيل المثال:- يقول شاعر علمانيّ (أحمد عبد المعطي حجازي) في مقال له في جريدة الأهرام المصريّة بتاريخ 1996/ 6/26: (وكذلك في عصور الانحطاط التي شهدها الأدب العربيّ في العصر المملوكيّ؛ ففي هذا العصر الذّي تراجع فيه الشعر وتدهورت الكتابة ... ).
مع أن هذا العصر الإسلاميّ شهد أعظم المعارك وأشدّها على الأمم الكافرة .. وفيه انتهت أسطورة التّتار ذلك الجيش المغوليّ الذي لا يقهر وكانت مقبرته في عين جالوت .. وكانت نهاية الصّليبيّين على يد المماليك أيضاً ..
لقد كانت نهاية الغطرسة والتّهاون بهيبة المسلمين على يد سيف الدّين قطز، وبيبرس البندقداريّ (ت 676 هـ) والأشرف خليل قلاوون (ت 693 هـ) هؤلاء السلاطين المماليك هم الذين دوّخوا الأمم الكافرة واستعادوا هيبة وعظمة الإسلام .. فلولا أنّ الله رحم الأمة بهؤلاء المماليك لدخل التتار مصر ..
وأوروبا نفسها مدينة لهؤلاء المماليك .. فلولا عين جالوت لزحف التّتار على العالم .. فهؤلاء المماليك هم الذين أوقفوا ذلك المارر المدمّر الذي كاد أن يبيد حضارة الإسلام بل والعالم أجمع .. فلماذا الهجوم التشويه؟ ..
¥