تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهي المتعلقة بمشيئة الثقلين بوصفهما المكلفين بالعبودية , وأعني بها تعلق مشيئة هذين الثقلين بمشيئته سبحانه وتعالى بحيث لا تتعدى مشيئتهما مشيئته في خلقه، ولا تتعرض لها، ولا تحول بينها وبين نفاذها بما يريد وبما يشاء إذ الأصل أن المشيئة كلها لله والاستثناء هو أنه سبحانه وتعالى جعل لهذين المخلوقين من خلقه مشيئة. إلا أنه حصرها في مجال واحد فقط هو مجال الفعل والفعل فقط، أيا كان هذا الفعل سلبا أو إيجابا، قولا أو فعلا، سكونا أو حركة , ويأتي هذا الاستثناء تماشيا مع حريتهما المخلوقين بها وتكليفهما بعبادته بهذه الحرية، قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) (14)، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "قال عز وجل "بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبرحمتي أديت إلي فرائضي وقويت على معصيتي " (15) وحتى لا تتعرض هذه المشيئة لمشيئته سبحانه وتعالى التي بيناها في الوجهين السابقين، فقد ربط مشيئتهما بمشيئته وقيدهما بقدرته بحيث لا يستطيعا منفردين أو مجتمعين الحيلولة دون هذه المشيئة أو التعرض لها، فذلك قوله جلا وعلا (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (16)،

كما أن المشيئة والعلم الإلهيين مرتبطين ارتباطا لا يقبل التجزئة ولا الانفصال، حيث كانت مشيئته جلا وعلا على ضوء علمه بكل ما هو كائن وما سيكون قبل أن يكون، فقد علم سبحانه وتعالى مثلا أن آدم عليه السلام سيعصه ويتبع غواية إبليس، فكانت مشيئته وفق علمه فاقتضت هذه المشيئة طردهما من الجنة فما كان بإمكانهما الامتناع أو عدم التنفيذ، قال تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (17)، وعلم الله أن الأقوام الذين أرسل إليهم أنبيائهم لن يتبعوهم وسيكذبونهم فاقتضت مشيئته إهلاكهم بالطريقة وبالزمان والمكان الذي اقتضاه , فمنهم من أغرقه الطوفان ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أخذته الصاعقة ومنهم من أصابته السكرة، فقال (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (18)، وعلم سبحانه وتعالى منذ الأزل وسطر في كتابه المكنون أن العرب لن يستطيعوا أن يأتوا بآية أو سورة من قرآنه، فكانت مشيئته هي التحدي بالإتيان بمثل ما أتى فقال (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (19)، وعلم أن أبا لهب وامرأته لن يُسلما فكانت مشيئته الحكم عليهما بالنار يوم القيامة فقال (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ الحطب وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (20)، وعلم أن الوليد بن المغيرة القائل عن كلامه سحر يؤثر سيبقى على كفره حتى موته فكانت مشيئته القضاء عليه بالخلود في سقر فقال سبحانه (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) (21) ومن ثم علم سبحانه وتعالى أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير