تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا السمو الأخلاقي والترفع عن الصغائر والكبائر عرف جميع الأنبياء والمرسلين، وذلك بغض النظر عما ذكر عن بعض الأخطاء المنسوبة إلى بعضهم بكتاب الله تعالى وبكتب القصص النبوي الصحيحة، حيث لا ينبغي التعامل مع هذه الأخطاء من المنظور الأخلاقي البحت، إنما ينبغي النظر اليها كأحداث منفصلة لا تعبر بذاتها عن سوء خلق أو سوء طوية , وبحيث لا ينظر الى الحدث مجردا ولكن ينظر إليه بمراعاة الظروف والعوامل التي أحاطته

فيوسف عليه السلام لم يهم بامرأة العزيز لسوء خلقه، وإنما هم بها لكونه رجل به من الفحولة والرغبة ما حرك بداخله شهوته، خاصة وأنها استعدت له استعدادا يضعف أمامه ذوو العفة والحصانة، فغلقت الأبواب وتزينت بأحسن الزينة وتعطرت وحاولت وقالت هيت لك، مدعمة رغبتها بجمالها ونفوذها وسطوتها، ولكنه امتنع عندما رأى برهان ربه، وباليقين الذي أستقر في وجدانه، فتغلب على مشاعره وكبح جماح شبقه وقهره في حينه، وهذا أبلغ وأصدق في قوة الإيمان واليقين والخلق السامي عند يوسف عليه السلام , إذ لو كان معيبا مثلا أو جاف المشاعر والأحاسيس، أو كان برهان ربه شيئا ماديا مرئيا ملموسا كما جاء ببعض التفسيرات من أنه رأى أبوه يعقوب أو رأى وجه أبيه ظاهرا فى الحائط لما كان من الرواية معنى (6) ومن ثم ينظر إلى هذا المواقف ومثيله من المواقف النبوية من منظور الابتلاء الذي نجح فيه النبي والذي يدل على استحقاقه النبوة


(1) القصص (2) الأحزاب من الآية 69 (3) يوسف من الآية 33 (5) يوسف 50
(6) نقل الطبري في تفسيره لقوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ (يوسف: من الآية24) عن بن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم قولهم بروايات متقاربة " رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه فدفع في صدره فخرجت شهوته من بين أنامله

يقول الأمام أحمد بن حنبل " الهم همان هم خطرات وهم إصدار. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا (1) ويوسف هم هما تركه لله ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه. وذلك إنما يقوم إذا قام المقتضى للذنب وهو الهم وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله. فيوسف لم يصدر عنه إلا حسنة أثيب عليها قال الله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (2) (3)
ويسوق الإمام الرازي شهادة الشهود في مشهد بديع فيقول.
أما شهادة الزوج فقوله تعالى " (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (4)
وأما شهادة الحاكم فقوله تعالى " (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (5) وشهادة النسوة فقوله تعالى (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (6)
وشهادة الملك فقوله تعالى (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) (7) وأما ادعاء يوسف فقوله (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) (8)
وكان دفاع الخصم فقوله تعالى " (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (9)
وقولها " (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (10)
وأما اعتراف إبليس فقوله تعالى (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (11)
ووصفه الله تعالى بقوله " (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (12) (13)
وكذا موسى عليه السلام عندما قتل المصري الذي كان يقتتل مع أحد اليهود هو تصرف لا يكشف عن سوء خلق ورغبة فى القتل خاصة وأنه كان فى هذا الوقت وحيدا فقيرا حتى اضطر إلى الهرب , إنما هو موقف اضُطر إليه موسى عليه السلام لما استغاث به اليهودي وعندما تدخل لإنقاذه لم يفعل إلا أن وكز المصري وكزة واحدة كان فيها هلاكه لضعف فيه أو لقوة في موسى عليه السلام وكان عليه السلام معروفا بقوته الجسدية حتى قبل بعثته، وهو ماكان له أكبر الأثر في مهابة بنى إسرائيل له، ذهب الجبائي إلى أن القتل كان بغير قصد وإنه كان على سبيل المدافعة للظالم. (14) وبالنسبة لنبينا صلى الله عليه وسلم فقد بلغ الدرجة الأسمى والأعلى من الأخلاق التى تعدى بها الكمال البشرى. وفاق بها حدود التصور والخيال. إلى الحد الذي يصفه به سبحانه وتعالى بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولم يلحق هذا الوصف محمدا بعد البعثة فحسب ولكن قبلها. وما كانت النبوة إلا تجلية لهذا الخلق وتأديبا إلهيا وإعدادا من الله مباشرا وارتفاعا به الى مصاف الأنبياء.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير