تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والاستيلاء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق الأوسط بأجمعه، في استقلاله وسيادته، وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر مقومات حياته. فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها الاستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جداً، وعلينا أن نوقن بأنها معركة حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين لا تستطيع إحداهما أن تعيش إلا على أنقاض الأخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا، وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم هازلين مترددين خائرين؟ على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الأليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية فلسطين. وسنرى بعد قليل هل كان صواباً أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية الخادعة التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص ولم يكن رفضهم لها اعتباطاً أو تعنتاً!.

الحزبية والخلافات المحلية:

فأما من ناحية الخلافات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلافات حزبية أو طبقية أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف الأقطار: فلم يكن لدى الشعب الفلسطيني ما يختلف عليه رجاله وجماعاته، فلا حكومة ولا مجلس نواب ولا سلطة من السلطات الرسمية ولا مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين محرومين من كل ذلك. أما الخلاف الذي وقع في بعض الأحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا بعض أتباعهم إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقاً لمصلحة الاستعمار والصهيونية.

الميثاق القومي لفلسطين:

لقد قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل على "استقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض الانتداب البريطاني والوطن القومي اليهودي،. وقد سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية حتى هذه الساعة، ولم يكن الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك الأسس والأهداف الوطنية. والذي وقع في فلسطين لم يكن اختلافات حزبية أو محلية، بل كان في الحقيقة اختلافا بين الوطنيين وبين خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين والصهيونيين وأتباعهم. وقد امتحنت الأقطار العربية التي كانت تقاوم الاستعمار والاحتلال بمثل ما امتحن به عرب فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الاستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزاباً لمقاومة الحركات الوطنية. بل لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الاستعمار لتلم الصفوف وصدع الوحدة. فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهوداً جبارة لإثارة روح الطائفية والخلاف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، لدرجة أن بعض رجال الاستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض المجرمين وألفوا منهم عصابات زودوها بالسلاح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات، وأطلقوها للاعتداء على القرى المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة وللإيقاع بين أبناء الوطن والواحد. ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد، فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم.

الدعاية ضد الوطنيين:

ولم يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من الأعمال، بل قاموا أيضاً ببث دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في إخلاصهم وحملهم على الانفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب فلسطين يشكونه من ظلم السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق السياسية والمدنية وغيرها. ولما اتسع نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية، وكان لها صدى بعيد في سائر الأقطار العربية، ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها في سائر الأقطار العربية، للدس على الفلسطينيين وتشويه سمعة المخلصين العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة على الادعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية ورفضوا جميع ما تقدم به الإنجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين (ومنها التقسيم) خلال عهد الانتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا: أنه لو قبل المفتي والزعماء الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما وقعت نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند بعض العرب، بل بعض

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير