لذريق على فتح الباب، فدخلت العرب بلدهم في السنة التي فتح فيها الباب في أيام الوليد بن عبدالملك، ولما فتحوها وجدوا بها مائدة سليمان بن داوود عليه السلام من ذهب، فلم يمكن نقلها لعظمها، فأمر الوليد أن يضرب منها حلي الكعبة وميزابها ففعل,, وما زالت بيد المسلمين إلى أن استولى عليها الفرنج في شهور سنة سبع وسبعين وأربعمئة، وإلى الآن بيدهم, (16) قال أبو عبدالرحمن: ستأتي إن شاء الله مناسبة للحديث عمن بنى القنطرة من الإنس لا الجن,, وقصة البيت والقفل وصور العرب من الاساطير,, وهي أساطير دفع اليها الوضع الحضاري المرموق لطليطلة، وكثرة الخيرات بها، وجمالها الطبيعي فوق وبين جبال يحف بها النهر من ثلاث جهات.
وقال ياقوت: طُلَيطُلةُ: هكذا ضبطه الحميدي بضم الطاأين (17) وفتح اللامين، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية: مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالاندلس يتّصل عملها بعمل وادي الحجارة من أعمال الأندلس، وهي غربي ثغر الروم وبين الجَوُف والشرق من قرطبة، وكانت قاعدة ملوك القرطبيين وموضوع قرارهم، وهي على شاطىء نهر تاجُه وعليه القنطرة التي يعجز الواصف عن وصفها,, وقد ذكر قوم أنها مدينة دقيانوس صاحب أهل الكهف,,قالوا: وبقرب منها موضع يقال له: جنان الورد,, فيه اجساد اصحاب اهل الكهف,, لا تبلى الى الآن,, والله أعلم، وقد قيل فيهم غير ذلك كما ذكر في الرقيم,, وهي من اجل المدن قدرا وأعظمها خطرا، ومن خاصيتها ان الغلال تبقى في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير، وزعفرانها هو الغاية في الجودة، وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للفارس، وما زالت في أيدي المسلمين منذ أيام الفتوح الى ان ملكها الافرنج في سنة 477، وكان الذي سلمها اليهم يحيى بن يحيى بن ذي النون الملقب بالقادر بالله، وهي الآن في أيديهم,, وكانت طليطلة تسمى مدينة الأملاك,, ملكها اثنان وسبعون لسانا فيما قيل، ودخلها سليمان بن داوود وعيسى بن مريم وذو القرنين والخضر عليهم السلام فيما زعم اهلها، والله اعلم,, قال ابن دُرَيد: طليطلاء مدينة وما أظنها الا هذه, (18).
وعلق ابن عبدالحق على ضبط ابن دريد بقوله: وكأنه لغة في طليطلة (19) قال أبو عبدالرحمن: ضبطها السمعاني؛ فقال: بضم الطاء المهملة وفتح اللام، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وكسر الطاء الاخرى,, وفي آخرها لام اخرى ,, ثم ذكر بعض علمائها (20) , وأما أهل الكهف فقد نُسبوا الى مواضع كثيرة، وعلمهم عند ربي.
وقال ابن عبدالمنعم - وقد اكثر النقل عن البكري -: طليطلة: بالاندلس، البرج المعروف بوادي الحجارة خمسة وستون ميلا، وهي مركز لجميع بلاد الاندلس؛ لأن منها الى قرطبة تسع مراحل، ومنها الى بلنسية تسع مراحل ايضا,,, ثم قال بعد سياق اسطورة الاقفال: وظن انه بيت مال قد اختزنته الملوك، ففض الاقفال عنه ودخل، فأصابه فارغا لا شيء فيه الا تابوتا عليه قفل، فأمر بفتحه؛ فألفاه فارغا ليس فيه الا شقة مدرجة صورت فيها صور العرب عليهم العمائم، وتحتهم الخيول العراب متقلدي السيوف متنكبي القسي رافعي الرايات على الرماح,, وفي اعلاها اسطر مكتوبة بالعجمية قرئت فاذا فيها: اذا كسرت الاقفال عن هذا البيت، وفتح هذا البيت؛ فظهر ما فيه من هذه الصور: فان هذه الأمة المصورة في هذه الشقة تدخل الاندلس؛ فتغلب عليها وتملكها,, فوجم لذريق، وندم على ما فعل، وعظم غمه وغم العجم لذلك، وأمر برد الاقفال واقرار الحراس، واخذ في تدبير ملكه، وذهل عما انذر به الى ان كان من امر يليان عامل لذريق على سبتة وامر ابنته في الخبر المشهور ما سبب اثارة عزمه على ادخاله العرب الى الاندلس,, الى ان كان ذلك، وسبب الله فتحها بسبب ذلك، وما بعد ذلك يذكر في غير هذا المكان.
ووجد اهل الاسلام فيها ذخائر عند افتتاح الاندلس كادت تفوق الوصف كثرة؛ فمنها مئة وسبعون تاجا من الذهب مرصعة بالدر واصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها الف سيف مجوهر ملوكي، ووجد بها من الدر والياقوت اكيال واوساق، ومن آنية الذهب والفضة وانواعها ما لا يحيط به وصف، ووجد بها مائدة سليمان بن داوود عليهما السلام، وكانت فيما يذكر من زمردة، وهذه المائدة اليوم بمدينة رومة.
¥