فقلت: تحريف الكلام عن مواضعه، كما دفعه الله في كتابه، و هو إزالة اللفظ عما دل عليه من المعنى مثل تأويل بعض الجهمية لقوله تعالى ? وكلم الله موسى تكليما. أي جرحه بأظافير الحكمة تجريحاً.
ومثل تأويلات القرامطة و الباطنية و غيرهم: من الجهمية و الرافضة و القدرية، وغيرهم. فسكت، و في نفسه ما فيها.
وكرت في غير هذا المجلس: أني عدلت عن لفظ " التأويل " إلى لفظ " التحريف " لأن التحريف اسم جاء القرآن بذمه. وأنا تحريت في هذه العقيدة اتباع الكتاب و السنة. فنفيت ما ذمة. وأنا أذكر فيها لفظ التأويل بنفي ولا إثبات. لأنه لفظ له عدة معان. كما بينته في موضعه من القواعد فإن معنى لفظ " التأويل " في كتاب الله غير معنى لفظ " التأويل " في اصطلاح المتأخرين من أهل الأصول و الفقه، و غير معنى لفظ التأويل في اصطلاح كثير من أهل التفسير و السلف. فلم أنف ما نقوم الحجة على صحته إذ ما قامت الحجة على صحته، وهو منقول عن السلف، فليس من التحريف.
وقلت له أيضاً: ذكرت في النفي " التمثيل " و لم أذكر " التشبيه " لأن " التمثيل " نفاه الله بنص كتابه حيث قال: (ليس كمثله شيء) و قال: (هل تعلم له سميا) فكان أحب إلى من لفظ ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وإن كان قد يعنى بنفيه معنى صحيح، كما قد معنى فاسد.
ولما ذكرت " أنهم لا ينفقون عنه ما وصف به نفسه، و لا يحرفون الكلم عن جعل الحاضرين يمتعض من ذلك، لاستشعاره ما في ذلك من الرد لما هو عليه و لكن لم يتوجه له ما يقوله.
وأراد أن يدور علي بالأسئلة التي أعلمها، فلم يتمكن لعلمه بالجواب.
ولما ذكرت آية الكرسى، أظن سأل الأمير عن قولنا " لا يقربه شيطان حتى يصبح "
فذكرت له حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في الذي كان يسرق صدقة الفطر وذكرت أن البخاري رواه في صحيحه.
وأخذوا يذكرون نفي التشبيه و التجسيم و يطنبون في هذا و يعرضون بما ينسبه بعض الناس إلينا من ذلك.
فقلت قولي " من غير تكييف، ولا تمثيل " ينفي كل باطل و إنما أخذت هذين الاسمين. لأن " التكييف " مأثور نفيه عن السلف. كما قال ربيعة، ومالك و ابن عيينة و غيرهم المقالة التي تلقاها العلماء بالقبول " الاستواء معلوم، و الكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "
فاتفق هؤلاء السلف على أن الكيف غير معلوم لنا. فنفيت ذلك، اتباعاً لسلف الأمة، وهو أيضاً منفى بالنص. فإن تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة الموصوف و حقيقة صفاته. وهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. كما قد قررت ذلك في قاعدة مفردة ذكرتها في التاويل. و المعنى: و الفرق بين علمنا بمعنى الكلام. و بين علمنا بتأويله.
وكذلك " التمثيل " ينفي بالنص والإجماع القديم، مع دلالة على نفيه. ونفى التكييف. إذ كنه الباري تعالى غير معلوم للبشر.
وذكرت في ضمن ذلك كلام الخطابي الذي نقل أنه مذهب السلف. و هو: " إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، مع نفي الكيفية، و التشبيه عنها، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات يحتذي فيه حذوه، و يتبع فيه مثاله. فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف. فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف "
فقال أحد كبراء المخالفين: فحينئذ يجوز أن يقال: هو جسم، لا كالأجسام.
فقلت له، أنا و بعض الفضلاء الحاضرين و المعروفين بالديانة يريد إظهار أن ينفى عنا ما يقوله، فجعل يزيد في المبالغة في نفي التشبيه و التجسيم.
فقلت: قد ذكر فيها في غير موضع " من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل "
وقلت في صدرها: " ومن الإيمان بالله. الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، و بما وصفه به رسوله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، من تحريف و لا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل ".
ثم قلت: " وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك ".
¥