وكتب عبدالملك بالله المعتصم بالله من مراكش الى سبستيان: (إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك، وجوازك العدوة، فإن ثبت الى أن تقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإلا فأنت كلب بن كلب)، فليس من الشجاعة ولا من روح الفروسية أن ينقض على سكان القرى والمدن العزل، ولا ينتظر مقابلة المحاربين وكان لذلك الخطاب أثر في غضب سبستيان وقرر أخيراً التريث رغم مخالفة أركان جيشه الذين أشاروا عليه بالتقدم لاحتلال تطوان والعرايش والقصر.
وتحركت قواد عبدالملك المعتصم بالله، وسار أخوه أحمد المنصور بأهل فاس وماحولها وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير.
قوى الطرفين (البرتغالي النصراني والاسلامي المغربي):
الجيش البرتغالي:
125.000، ومايلزمهم من المعدات والرواية الأوروبية تقلل بعد الهزيمة عدد جيشها، وتضخم عدد جيش المغرب، فهي تتحدث عن 14.000راجحل، و2000 فارس، و36 مدفعاً، ومقابل 50.000 راجل في الجيش المغربي و22.000، 1.500 من الرماة، 20 مدفعاً. ذكر ابو القاضي في (المنتقى المقصور): (عدد الجيش البرتغالي مئة ألف وخمسة وعشرون ألفاً).
وقال أبو عبدالله محمد العربي الفاسي في (مرآة المحاسن): أن مجموعهم كان مئة وعشرين ألفاً، وأقل ماقيل في عددهم ثمانون ألف مقاتل.
كان مع الجيش البرتغالي: 20.000 إسباني، 3000 ألماني، 7000 إيطالي ... وغيرهم عدد كبير .. مع ألوف الخيل، وأكثر من أربعين مدفعاً .. وكل هذه القوى البشرية والمادية بقيادة الملك سبستيان.
وكان معهم، المتوكل المسلوخ بشرذمة تتراوح مابين 300 - 600 رجل على الأكثر.
الجيش المغربي:
وكان جيش المغاربة تعداده 40.000 مجاهداً يملكون تفوقاً في الخيل ومدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط وكانت معنوياتهم مرتفعة جداً بسبب:
1 - ذاقوا حلاوة الانتصار على النصارى المحتلين واستخلصوا من ايديهم ثغوراً كثيرة كانت محاطة بالأسوار العالية، والحصون المنيعة، والخنادق العميقة.
2 - إلتفاف الشعب حول القيادة، تم إلتحام القبائل والطرق الصوفية وأهل المدن لأن المعركة كانت حاسمة في تاريخ الاسلام وفاصلة في تاريخ المغرب وكان الشيخ ابو المحاسن الفاسي زعيم الطريقة الشاذلية الجزولية لا يكل ولا يمل في شحذ الهمم ورفع المعنويات وقد قاد هذا الشيخ أحد جناحي الجيش المغربي وأبلى بلاءً حسناً رائعاً وثبت الى أن منح الله المسلمين النصر، وركبوا أكتاف العدو يقتلون ويأسرون وتورع أبو المحاسن عن الغنيمة بعد الانتصار العظيم، وعفَّ عنها، ولم يأخذ منها شيئاً.
وأظهر عبدالملك المعتصم بالله وأخوه ابوالعباس والقادة العثمانيون عبقرية فذة في المعركة.
" لقد حنكت التجارب عبدالملك المعتصم بالله، فعزل عدوه عن اسطوله بالشاطئ بمكيدة عظيمة، وخطة مدروسة حكيمة، عندما استدرج سبستيان الى مكان حدده عبدالملك ميداناً للمعركة. وكان عزله عن أسطوله محكماً عندما أمر عبدالملك بالقنطرة أن تهدم ووجه إليها كتيبة من الخيل بقيادة أخيه المنصور فهدمهاً.
لقد جعل عبدالملك المدفعية في المقدمة، ثم صفوف للرماة المشاة، وجعل قيادته في القلب وعلى المجنبتين رماه فرسان والقوى الاسلامية المتطوعة وجعل مجموعة من الفرسان كقوة احتياطية لتنقض في الوقت المناسب وهي في غاية الراحة لمطاردة فلولا البرتغاليين، واستثمار النصر.
كان صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ/1578م يوماً مشهوداً في تاريخ المغرب، ويوماً خالداً في تاريخ الاسلام.
وقف السلطان عبدالملك المعتصم بالله خطيباً في جيشه، مذكراً بوعد الله للصادقين المجاهدين بالنصر:
{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: آية 40).
{وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم} (الانفال: آية 10).
كما ذكر بوجب الثبات:
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولهم الأدبار} (الانفال: آية 15).
{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاأثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} (الانفال: آية 45).
وبضرورة الانتظام:
{إن الله يحب الذين يقاتلون في سيبله صفاً كأنهم بنيان مرصوص} (الصف: آية 4).
وذكر أيضاً حقيقة لا مراء فيها: إن انتصرت الصليبية اليوم، فلن تقوم للاسلام بعدها قائمة.
ثم قرئت آيات كريمة من كتاب الله العزيز، فاشتاقت النفوس للشهادة.
¥