والواقدي وغير واحد من المؤرخين قبل ابن عبد البر وبعده.
هذا مثال لترجيح بغير دليل ولكن كما هو واضح من هذا الترجيح، فهو لا يشير من قريب ولا من بعيد لتفضيل أو غلو.
كذلك هناك بعض الأمور في الاستيعاب أمر عليها وأجد فيها إيهام أوضح من المثال السابق، ولكني لم أقيد شيئا من هذه الأمور للأسف.
ولكن أنقل مثالا حضرني فقال رحمه الله في ترجمة أسامة بن زيد رضي الله عنه:
أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا أحمد ابن محمد بن البشيري حدثنا علي بن خشرم قال قلت لوكيع من سلم من الفتنة قال أما المعروفون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأربعة سعد بن مالك وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد واختلط سائرهم قال ولم يشهدوا أمرهم من التابعين أربعة الربيع بن خثيم ومسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبو عبد الرحمن السلمي.
قال أبو عمر أما عبد الرحمن السلمي فالصحيح عنه أنه كان مع علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه وأما مسروق فذكر عنه إبراهيم النخعي أنه ما مات حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن علي كرم الله وجهه وصح عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما من وجوه أنه قال ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي رضى الله عنه
انتهى.
قلت فالمشهور أن ابن عمر رضي الله عنه قال هذا في أيام ابن الزبير رضي الله عنهما وليس في صفين ومعلوم الخلاف في مسروق ولو صح الاستدراك على وكيع لصح زيادة قوم لم يشهدوا الفتنة.
كذلك أذكر قوله في التفضيل معروف، ولكن نقله في التفضيل عن الصحابة هو في الاستيعاب في صدر ترجمة علي رضي الله عنه.
فقال رحمه الله -من النسخة الإلكترونية-:
"كان علي أصغر ولد أبي طالب.
وكان أصغر من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره."
وهذا نقل غير صحيح، نعم لم ينص على أنه مذهبه والمعروف عنه في التفضيل غير هذا، ولكن النقل مشكل.
وطالما أن أمامي ترجمة علي بن أبي طالب من النسخة الإلكترونية فلا بأس أن أنقل بعض ما قد يشكل منها أيضا.
فقال رحمه الله:
"وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: أول هذه الأمة وروداً على نبيها عليه الصلاة والسلام الحوض أولها إسلاماً: علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد روى هذا الحديث مرفوعاً عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول هذه الأمة وروداً على الحوض أولها إسلاماً: علي بن أبي طالبٍ ".
ورفعه أولى لأن مثله لا يدرك بالرأي.
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا يحيى بن هشام حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن حنش بن المعتمر عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب رضي الله عنه "
انتهى.
وهذا خلاف نفس ابن عبد البر في التصحيح والتضعيف والتعليل.
فابن عبد البر عارف بالرجال، وقوله "ورفعه أولى" ليس بالأولى في هذا الموطن، بل الأولى أن يبين أن الحديث معلول وفيه اختلاف كما بين طرفا من هذا الاختلاف في موطن آخر لعله في التمهيد، فالطريق المرفوع طريق الحارث بن أبي أسامة هذا فيه يحيى بن هشام السمسار متهم، والحديث أحسن ما فيه عبد الرزاق عن الثوري وفي القلب منه فلا يعرف بين أصحاب الثوري الكبار وليس يرويه أحد يعرف سماعه من عبد الرزاق قبل أن يعمى ورواه يحيى بن يمان عن سفيان وحديثه عن سفيان ضعيف، وبالجملة فالحديث فيه كلام أولى بأن يذكر من قوله "ورفعه أولى".
وذكر أحاديث "قال أبو عمر: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وقال في كل واحدة منهما لعلي: " أنت أخي في الدنيا والآخرة " وآخى بينه وبين نفسه فلذلك كان هذا القول وما أشبه من علي رضي الله عنه وكان معه على حراء حين تحرك فقال له: " أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد "
انتهى
ومعلوم أن باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين علي رضي الله عنه ونفسه صلى الله عليه وسلم فيه لين ونكارة في بعض متونها، وابن عبد البر لا أحسب يخفى عليه مثل هذا.
وقال رحمه الله:
"وقال لها: " زوجك سيد في الدنيا والآخرة " وإنه أول أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً""
انتهى
والحديث حديث أبي الأزهر النيسابوري المشهور وهو باطل لا أصل له والآخر حديث سلام بن سليمان وهو ضعيف.
وقال رحمه الله:
"وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه "
انتهى.
وقد صدر صيغة التمريض، وكان جديرا أن ينزه الكتاب عن الحديث وهو يعرف أنه لا أصل له.
وقال رحمه الله:
"وقال صلى الله عليه وسلم في أصحابه: " أقضاهم علي بن أبي طالبٍ "
انتهى.
وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من قول عمر رضي الله عنه كما في البخاري.
كذلك كلامه في حديث ابن عمر رضي الله عنه في المفاضلة، ومعلوم أن أصحاب الإمام أحمد ينقلون عنه أنه يأخذ به بالتفضيل وابن عبد البر يعرف جيدا أقوال الإمام أحمد وينقل منها كثيرا في كتبه.
وفي كلامه في التفضيل نظر غير ذلك.
بيد أنه نبه في ثنايا الترجمة على أنه اقتصر على فوائد تحسن المذاكرة بها، وهذا يبرر ما ذكره من أسانيد واهية أعرضت عن كثير منها.
ولكن بعض التعليقات أجد فيها إشكالا.
ولعله ذكر آثارا مشكلة كان ينبغي الإعراض عنها.
نعم كما قدمت وأكرر، عقيدته في التفضيل عقيدة أهل السنة ولكن الأمثلة السالفة أتصور أنه يتبين منها نوع من الميل الزائد عن القصد، هذا الميل ليس الذي يفضي للغلو أو التفضيل على الثلاثة، بل يفضي إلى نوع هوى في التصحيح وإيراد الآثار ونسبة الأقوال.
وأخيرا فهذا كلام أكتبه بغير كثير تحرير، فأرجع إلى قصاصات متناثرة و بعض الكتب الإلكترونية وكثيرا ما أعتمد على الذاكرة، فالمعذرة إن كان هناك خطأ فيما سبق.
¥