ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[16 Aug 2010, 06:32 ص]ـ
الحلقة الرابعة: تفسير آية النورـ 2
قال جل ذكره: {نور على نور}
نور متضاعف زاد في إشراقه: صفاء الزيت، و زهرة القنديل، و ضبط المشكاة لأشعته، و ليس مجموع نورين اثنين فقط، بل المراد التكثير، كما يقال: فلان يضع درهما على درهم، و لا يراد به درهمان.
و من دقائق القرآن الكريم، مجيء النور مفردا للهدى، و الظلمات جمعا للضلال، و مثل ذلك مجيء ولي بالإفراد، مضافة للمومنين، و بالجمع مضافة إلى الكفار
قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}
بهذا تكتمل الصورة في الذهن، و يظهر التمثيل واضحا جليا، و التشبيه بالمصباح أوفق و أليق من التشبيه بالشمس ـ مثلا ـ، لأن فيه وصفا دقيقا و معبرا عن حالة القلب،و قد لفه ظلام الشك من كل ناحية، و استولى عليه الرعب و القلق من كل زاوية، حتى إذا أشرق عليه نور الإيمان، تبدد خوفه و زال قلقه و هدأ و اطمأن {الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} فهو كالتائه ليلا في البيداء، يخبط خبط عشواء، حتى إذا أبصر بصيصا من نور، تبدل خوفه أمنا، و أحس بالفرحة تغمر قلبه، و تحقق النجاة، وبان له الطريق إلى بيته و أهله.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[17 Aug 2010, 04:34 ص]ـ
الحلقة الرابعة: تفسير آية النور ـ 3
قال الله تعالى: {نور على نور}
نخلص مما تقدم إلى أن قلب المومن صاف يقظ، يعمل بالهدى قبل أن ياتيه العلم، فإذا جاء العلم، ازداد نورا على نور، و هدى على هدى، فهو كجهاز لاقط، يستقبل باستمرار الرموز و الإشارات الوافدة، فيترجمها و يحل ألغازها، ثم يرسل ثمرتها إلى العقل ليشتعل و يضيء، فإذا المومن يرى ما لا يرى غيره ...
ولهذه الثمرة أثرها العظيم في بناء الحضارات الإنسانية الراشدة، لأنها تمنح الإنسان صانع الحضارة الثقة في جهاده النبيل في الحياة حين يعمل مرتبطا بالله، مستمدا منه كل عون و توفيق.
وكتاب الله هو المصباح الدي يرسم للناس، معالم طريق الحق و الصواب، في دلالة واضحة و بيان في الإرشاد ناصع {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} من استمسك به نجا و اهتدى كما قال الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يبشر المومنين الدين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}
إنه مثل بعض نور الله، و ليس فيما ذكر المفسرون في هدا السياق، ما يرقى إلى مقام هذا النور، فهو كلام الله الذي قال عنه سبحانه: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
و هو في صون و حفظ من الانطفاء {إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون} في تجدد دائم و إشعاع مستمر، و عطاء لا تنقضي عجائبه، يلبي حاجات كل جيل، وفق ظروفهم و طرق تفكيرهم، مبارك نزل في ليلة مباركة.
قال تعالى: {و هذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام:92]
و قال {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان:3}
يوقد من شجرة الوحي المباركة، لا شرقية و لا غربية، سمته السماحة، وانتفاء الحرج، تكاد حججه تنطق و إن لم يقرأ، و كفى بأم القرآن التي لا تصح صلاة إلا بها، و بسورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن،نورا يملأ القلوب لتشرق و تتألق ...
و إلى جانب القرآن، يوجد البيان، بيان رسول اللهصل1الذي هو ـ كذلك ـ من شجرة الوحي {و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} و الدي هو من جهة أخرى بمثابة مس النار للسراج ...
و الأمة ـ على الدوام ـ في أمس الحاجة إلى فهم القرآن و بيانه، و إلى تجديد الإيمان في قلوب المومنين، و تلك مهمة العلماء ورثة الأنبياء في كل زمان، لاستخراج إرشاد القرآن، كما تستخرج الزيت من ثمرة الشجرة بالاعتصار.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[17 Aug 2010, 07:41 م]ـ
الحلقة الرابعة: تفسير آية النور ـ 4
قال الله تعالى: {يهدي الله لنوره من يشاء}
¥