وله نصيب وافر منها أيضا ًذاك الكذاب الذي رأى ظِنةً فصيرها مِئنة، فأخذ يثير الظنون الفاسدة بين الناس، بمثل قوله: رأيت زوجته تكلم فلانا، وبنات جيراننا يعدن في ساعة متأخرة من الليل، وفلانة تركب مع رجل غريب .... .
ومن هؤلاء من يحدث بكل ما سمع، ويزعم أنه لم يتهم وأنه وأنه .. وإنما هو ناقل،
فيقول صل1 مبيناً حكمه: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم.
وهذه هي الأوصاف التي اختارها الله لهم:
ـ (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
ـ (فَأُولَئِكَ "عِنْدَ اللَّهِ" هُمُ الْكَاذِبُونَ)
وصيغة الحصر في الآيتين للمبالغة كأن لا يوجد في الدنا من الفاسقين والكاذبين إلا هم،
و (عند الله) جملة حالية أي أنهم في علم الله الذي لا يدخله تغيير أو تبديل هم كاذبون.
ـ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) والتلقي عادة بالآذان لا بالألسنة لكنهم لسرعة إلقائهم لهذه الإشاعات بألسنتهم بمجرد سماعهم لها فكأنها عبرت للسان دون مرور بالسمع، وتأمل خفة العقل هنا.
(وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ) ومن المعلوم أن القول يكون بالأفواه لا بغيرها، فهل ذُكر عبثاً؟ حاشاه، لكن هذا القول لما لم تقلبه القلوب و تمحصه العقول أصبح مجرد حركة للفاه لم يتأمل عُقباه.
(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) أما هذه فقد نطقت بما ليس للعبد معها إلا أن يرددها.
أما الجزاء:
ـ (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)
ـ (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) [النور: 4] حتى يتوبوا.
ـ (لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 14]
وأما الشرط:
ـ (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [النور: 17]
(يَعِظُكُمُ اللَّهُ) الموعظة تأتي في غالب القرآن ولا تُسند لفاعل (يوعظ به) (يوعظون) (موعظة)، وهنا جاء لفظ الجلالة صريحاً (يعظكم الله)، وهي تكون لمن علم التحريم أعظم ممن لا يعلمه.
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط، ومن المقرر أن الشرط يلزم من عدمه العدم، فمن عاد فليس بمؤمن.
وهذا الشرط دليل عند الإمام أحمد على تكفير كل من رمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأن الآيات نص فيها.
- وهنا واجبات أربع فرضها الله على المجتمع حين ورود شائعة تتعلق بالأعراض:
فأولها: حسن الظن ببعضنا (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) وتأمل قوله (بأنفسهم)
فهم نفس واحدة، فكل ما يصيب المؤمن يصيب أخاه شاء ذلك أم أبى.
ثانيها: التكذيب المباشر والصريح إعمالا للبراءة الأصلية (وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)، ولم يرض منهم بقول:
لاندري .. الله أعلم .. قد يكون .. هذا مستبعد .. بل يقذفون القاذفَ صريحاً بقولهم له"إفك" و"بهتان"
(مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (16)
ثالثها: هات دليلك وبرهانك أو أنت رأس الكاذبين
(لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [13].
وهنا ثلاثة مؤكدات لاستحقاقهم هذا الوصف "عند الله" و "هم" و"ال" وأنكاها أولها،
وأصل الكلام "فأولئك كاذبون"
رابعها: التروي وتقليب الأمر والنظر في العاقبة وترك العجلة في الكلام والحكم
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)، (مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا).
ختاما ً في صحيح البخاري قال جبريل عليه السلام لمحمد صل1:
"وأما الرجل الذى أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه،
فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق"
حفظ الله فروجنا وألسنتنا وجوارحنا من كل سوء
وإلى السّوْر الثاني بمشيئة النور وعونه سبحانه،،
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[28 Jul 2010, 07:58 م]ـ
وقفات وتأملات رائعة دكتور عصام بارك الله فيك وزادك علماً.
ذكرتم في قوله تعالى ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) والتلقي عادة بالآذان لا بالألسنة لكنهم لسرعة إلقائهم لهذه الإشاعات بألسنتهم بمجرد سماعهم لها فكأنها عبرت للسان دون مرور بالسمع، وتأمل خفة العقل هنا)
فهل يدخل فيها أن هؤلاء هم معتادون أن ألسنتهم تتحدث بأعراض الناس في كل حين وتؤلف الاتهامات وتخترعها من دون حتى سماع للشائعة فكأن الآية تشير إلى من يتفننون بتصنيع الإشاعة من عند أنفسهم من غير أن يكون لها اصل في الواقع شائعة كانت أو حقيقة.
والله أعلم!
¥