تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واعتمدوا كثيرًا على ما سمَّوْه الكشْف والإلْهام من الرُّؤى والأحلام، وأنَّ هذا الكشْف ممَّا اطَّلع عليه الأولياءُ بعِلمهم للغيْب، وأنَّها حق كأنَّها رؤيا الأنبياء والرُّسل، وجعلوها مصادمِةً للقرآن والسُّنة، مضاهية لها كالحُجَّة والبرهان، وما أجلَّ قولَ الشافعي - رحمه الله تعالى -: "كلُّ شيء خالَف أمر رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سقَط، ولا يقوم معه رأيٌ ولا قياس، فإنَّ الله قطَع العذر بقول رسولِ الله، فليس لأحدٍ معه أمرٌ ولا نهي، غير ما أمَر به ونَهَى عنه" [10] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn10).

وممَّا أخطأ فيه القومُ تفسيرُهم لقول الله تعالى: ? وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ? [الحجر: 99]، فقالوا: إنَّ اليقين هنا هو "المعرفة"، فإذا حصلتِ المعرفة سقَطتِ العبادات والتكليف، وهذا من أشنعِ القول على الله وكتابه؛ لأنَّ اليقين هنا باتِّفاق أهل التفسير هو "الموت"، قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وهذا خطأٌ بإجماع المسلمين – أهل التفسير وغيرهم - فإنَّ المسلمين متفِقون على وجوب العبادات كالصَّلوات الخمس ونحوها، ولو بلَغ ما بلَغ" [11] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn11).

4- المعتزلة والمدرسة العقلانية الحديثة:

وكذلك فعلتِ المعتزلةُ حيث قدَّموا كثيرًا عقولهم، وما آلتْ إليه أفهامُهم على نصوصِ القرآن، وكذلك السُّنة، وناقضوا بذلك كثيرًا من حقائقِ الوحيَيْن، وحاولوا إخضاعَ النصوص لأفهامهم، وألْقوا أصولَ الاستدلال الصحيح مِن القرآن والسُّنة والإجماع واللُّغة وغيرها خلف ظهورهم، وذَهبوا في تفسير الآيات مذهبًا بعيدًا إلى حدِّ التناقض العقلي، فضلاً عن التناقُض للشريعة ونصوصها الواضِحة البينة.

ودرَج على آثارهم أصحابُ المدرسة العقلية الحديثة؛ حيث إنَّهم توسَّعوا كثيرًا في تفسير القرآن الكريم على ضوْء العلم الحديث بكلِّ جوانبه، ولو أدَّى ذلك إلى استحداثِ أقوال مجانِبة لدَلالات الآيات اللُّغوية، ومعارَضة للمنقول عن السَّلف [12] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn12).

يقول أحدُ أقطاب هذه النَّزعة العقلية المعاصِرة حسن حنفي: "النصوصُ الشرعية ليستْ حُجَّة، والعقل أقوى في الاحتجاج منها، ويقول أيضًا: لا سُلطان إلاَّ للعقل، ولا سُلطةَ إلا لضرورة الواقِع الذي نعيش فيه" [13] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn13).

وقد أفرزتْ هذه المدرسةُ على هذا الأصْل عندهم انحرافاتٍ في فَهْم القرآن والسُّنة، حيث قالوا بأنَّ اليهود والنصارى ليسوا من أهل الكُفر، ودعَوْا إلى ما سمَّوْه بوَحْدة الأديان، وفسَّروا الآيات في ذلك بحسب مرادِهم وأهوائهم العقليَّة والذوقيَّة.

يقول روجيه غارودي: "لا يمكن أن نستبعدَ الأديان الأخرى باسم أيِّ دِين، بل على العكس يجب أن نبحثَ عن الذي يجمعنا مع الأديان الأُخرى" [14] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn14).

ولا شكَّ أنَّ هذا تحريفٌ لمعاني القرآن، أنَّ الدِّين الحق عند الله هو الإسلام، وأنَّ اليهود والنصارى وغيرهم مِن أهل الكفر والشِّرْك، والأخْطَر من ذلك في مسلكهم هذا ذوبانُ الشريعة الإسلامية وأحكامِها على مرِّ العصور، حيث إنَّنا لو تعاملْنا مع نصوص الكتاب والسُّنة - كما تقدَّم آنفًا - بهذا المنطلق المنعزِل عن فهْم الوحي وَفقَ المراد الربَّاني والنبوي الصحيح، لأدَّى ذلك إلى نُقصان الأحكام الشرعيَّة في شتَّى مجالات الحياة سياسيةً كانت أو اقتصاديةً، أو أخلاقيةً أو تعبدية، أو عقديَّة أيضًا، ولأدَّى إلى ذوبانها على مرِّ العصور والأزمان، فرأينا شريعةً وأحكامًا متناقضةً تمامًا مع الوحي المعصوم من الكتاب والسُّنة؛ لأنَّ هذه المدرسةَ وقفتْ من نصوص الوحيَيْن المعصومَيْن موقفًا متناقِضًا، حيث يقولون: إذا تعارَض العقل والنقل قُدِّم العقل على النقل، ولا ريبَ أنَّ هذا سخف من القول وضلال؛ إذ إنَّ موجب العقل يقتضي خلافَ ما ذهبوا إليه؛ لأنَّ الله تعالى ما أوْجد العقل ليتناقضَ مع وحيه المنزل، هذا مِن وجه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير