تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الوجه الآخر: أنَّ نصوص الكِتاب والسُّنة لا يكون فيها اختلافٌ ولا تعارض في الأصْل؛ لأنَّ الله تعالى لا يجمع في شريعته ودِينه ما يخالف بعضُه بعضًا، وينقُض بعضُه بعضًا، إنَّما التعارُض في قصور الفَهْم الصحيح لمراد الله تعالى ومرادِ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تكلَّم الفقهاءُ والأصوليُّون في هذه المسائل، وبيَّنوا طرقًا كثيرة في رَفْع توهُّم التعارض بيْن النصوص الشرعية.

وأما الوجه الثالث: أنَّهم ما حقَّقوا الإيمان والتسليم لمراد الله ومراد رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ إنَّ العقل يقتضي أنَّ التسليم والإذْعان مِن كمال الإيمان بالوحيَيْن الصافيين القرآن والسُّنة، كما قال - تعالى -: ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينا ? [الأحزاب: 36]، وقوله تعالى: ? فلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما ? [النساء: 65]، وكلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّ الدِّين لو كان بالعقل، لكان المسْحُ على الخفَّين من أسفل.

فهذه المدرسةُ العقلية لا تحمِل منهجًا عقديًّا صحيحًا واضحًا، تُقدِّمه لأتباعها والمخدوعين بها، ولا تُحسِن إلى اليوم إلا ضرْبًا من علوم المناطِقة والفلاسفة، الذين عارَضوا الشرائع بالآراء والفلسفات الكلاميَّة، وهم يظنُّون أنَّهم على بابٍ من العلم لا يُحسنه غيرُهم، فأنكروا الغيبيَّات كالملائكة، وعذاب القبر، ومعجزات النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحِسيَّة، ومنهم مَن وقَع في التأويل الباطل الذي ليس له من الشَّرْع دليلٌ ولا برهان.

وهذه المدرسةُ لها اليوم أتباعٌ كُثر هنا وهنالك، والمتأمِّل البصير، يُدرِك ذلك مِن سَقْط حديثهم، وحِبْر أقلامهم، ومنهجهم الذي رَسموه.

5 - القرآنيون:

وتَبِع هؤلاء أيضًا هذه الفِرْقة التي سمَّت نفسها بالقرآنيِّين، الذين نفَوُا السُّنة النبوية، وألْقوها وراء ظُهورِهم نفيًا وإعْراضًا وسُخرية، وقالوا ما نفعل بالسُّنة وعندنا كتابُ الله فيه الحقُّ والنور، وفيه البَيان الشافي والكافي، ووَقَفوا عندَ ذلك؛ ليُوهِموا الجهَلة والرعاع أنَّهم متبعون للكتاب، ملازِمون للحق والصواب، ولكن هيهات هيهات!!

كيف يتَّبعون القرآن فحسبُ، وهم يقرؤون مِئات الآيات التي تُخبرهم وتأمرُهم بوجوبِ متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسُنَّته وحُكمه وشريعته، وحسبهم أن يقرؤوا قولَ الله تعالى: ? مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ? [النساء: 80]، وقوله: ? وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ? [الحشر: 7].

وهؤلاء الَّذين أطلُّوا علينا في هذا الزمان، أخْبر عنهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((لا ألفين أحدَكم متكئًا على أريكتِه، يأتيه الأمرُ ممَّا أمَرْتُ به، أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدْري، ما وجدْنا في كتاب الله اتبعناه))؛ أخرجه الترمذيُّ بسند صحيح.

وهذا ما وقَع فيه القوم، ولا نَدْري مِن أين سيأتي أمثالُ هؤلاء بأرْكان الوضوء كلِّها وسُننه وآدابه؟ ومِن أين سيأتون بعددِ ركعات الصلوات، وسجودها، وسُننها وآدابها، أو الزكاة والحج والصيام؟ من أين سيعلمون أنَّ الجَمْع في الزواج بيْن المرأة وعمَّتها أو خالتها مُحرَّم شرعًا، أو تحريم كلِّ ذي ناب من السِّباع، وكل ذي مِخْلَب من الطيور؟! أو .. أو .. إلى آخِره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير