تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما كلُّ هذه البلايا والطَّوام، وهذه الرَّزايا العِظام، إلا مِن جرَّاء نقْض أو نقْص هذه القاعِدة الجليلة، مِن كمال التعظيم والتسليم لنصوص الشرْع الحنيف مِن كتاب الله وسُنَّة رسوله في قلوبهم، وكما أخْبر سبحانه في كتابه عن أمثال هؤلاء: ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [النور: 63]، وهُنا يظهر لنا الفارِقُ الكبير بيْن هذه الفِرق والأهواء وبيْن الصحابة - رضي الله عنهم - في كمال تعظيمهم وتسليمهم للنصوص الشرعيَّة، وكمال الإيمان بجميع نصوصِ الكتاب والسُّنة دون ترْك شيءٍ منها، ولا حتَّى ترْك العمل بها.

6 - المدرسة التغريبيَّة الحديثة والتيار العلماني:

وكذلك فعلتِ المدرسة التغريبيَّة والعلمانيَّة المعاصِرة، حيث إنَّها انتشرتْ في بلاد الشَّرْق مع مطلع القرن التاسعَ عشرَ، ثم اتَّسعتْ بمذهبها ومنهجها المادي، بعيدًا عن الدِّين والأخلاق والقِيَم، حاولتْ هذه المدرسة الولوجَ في النُّصوص الشرعية، وعلى رأسِها القرآن والسُّنة، والتلاعُب بتأويلها وتحريفها؛ ليفرِّغوا الإسلامَ من محتواه وأدلَّته، فيسقط كورقةِ التُّوت بزعمهم.

وقد برَز كثيرٌ منهم بمنهجه ومذهبه في ذلك، حيثُ قال طه حسين في "الشعر الجاهلي": "للتوراة أن تُحدِّثَنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يُحدِّثَنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذَيْن الاسمين لا يَكفي دليلاً على وجودِهما التاريخي، ونحن مضطرون إلى أنْ نرى في هذه القصَّة نوعًا من الحيلة في إثبات الصِّلة بيْن العرَب واليهود مِن جهة، وبيْن الإسلام واليهوديَّة مِن جهة، والقرآن والتوراة من جِهة أخرى"، "وإذًا ليس هناك ما يَمنع قريشًا أن تَقْبَل هذه الأسطورةَ التي تُفيد أنَّ الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم" [15] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/24134/#_ftn15).

فتأمَّل كيف يُكذِّب القرآن الصريح، بل ويُكذِّب تاريخ العرَب في أرْض الجزيرة، وها هو القرآن يردُّ هذا الهراء البَشَري؛ قال - تعالى -: ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ? [البقرة: 124 - 127].

ويقول أحدُهم - في جرأة يُحسَد عليها - محمد أحمد خلف الله في "الفن القصصي في القرآن": "القِصَّة في القرآن لا تلتزم الصِّدقَ التاريخي، وإنما تتَّجه في تصوير الحادثة تصويرًا فنيًّا"، ويقول: "تصويرُ أخلاق الأُمم كبني إسرائيل ليس بالضرورة أن يكون واقعيًّا"، ويقول: "وقصَّة إبليس مِن نوع الخَلْق الفني الذي يتشبَّث فيه القرآن بالواقع"، إلى غير ذلك مِن أكاذيبه وكهانته، التي سوَّد بها رسالته، ممَّا أدَّى إلى إحالة الأمْر إلى الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م، وإخراج تقرير يُفيد بتطاول صاحبِها على القرآن والذَّات الإلهيَّة والعقيدة الإسلاميَّة.

وهذه العلمانية حقيقةُ أمرِها أنها تهدف إلى غاياتٍ خبيثة ماكِرة، منها نزْع القَدَاسة والهَيْبة عن النصوص القرآنية، وهدْمها كمرجعية للمسلِمين، ثم إعمال مَكْرهم في نسْف كتُب التراث والسَّلف المتعلِّقة بالقرآن وتفسيره، وكوْنها متناقضةً فيما بينها، وأنَّها أقوالٌ بشرية لا قداسةَ لها ولا مكان.

يقول د. نصْر حامد أبو زيد: "إنَّ النص القرآني وإنْ كان نصًّا مقدَّسًا، إلا أنَّه لا يخرج عن كونه نصًّا، فلذلك يجب أن يخضع لقواعِد النقْد الأدبي كغيرِه من النصوص الأدبيَّة".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير