تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولنا أن نأخذ مثالا هذه المسألة، فمع كل الاحترام للأستاذ المهندس، وللمعجبين بهذه النظرية، فلي عليها الإشكالات الآتية:

1 - لفظ قوارير – ومفرده قارورة – ليس عربيا قطعا، بل هو من الأعجمي في القرآن، من الآرامية. ومن الدليل على ذلك: أن العربية لا تعرف وزن (فاعول – فاعولة) وإنما استوردته من لغات أخرى، وقد جاء عليه في الآرامية أعلام (طالوت – جالوت – قابوس – جارود) وأسما (طاغوت – ناموس - حانوت) وأما أسماء الآلة فهو فيها العمدة (طاحون – نافورة – ساطور – عامود – ناقور: آلة إيقاعية – ناقوس: جرس) ومن بقاياه في اللهجات الشامية (ناطور: حارس – جارور: دُرْج – بارودة: بندقية) واليمنية (شاقوص: منفذ للضوء – فاروع: معول – دافور: موقد القاز) وقد أخذته المجامع اللغوية فصاغت عليه (حاسوب) وكل ما سبق يؤكد أنه لفظ غير عربي، بل آرامي سرياني.

2 - اشتقاق الاسم من الفعل خطأ ومردود لغويا، فمن المقرر في علم اللغة الحديث: أن الاشتقاق جرى كالتالي: (الأصل الحسي: الاسم) ? (الأصل المجرد: المصدر) ? الفعل. فالفعل على هذا آخر شيء ظهورا، وربما سبقه الحرف. وهاكم مثالين على ذلك: ناقة ? أناقة ? تأنق، ثور ? ثورة ? ثار. فينبغي أن يكون: قارورة ? قر. أما العكس فخطأ لا يقبله لغوي، وهو مردود، وما بني على باطل فهو باطل. وقد انقرض منذ زمن ذلك الخلاف بين نحاة البصرة والكوفة في أصل الاشتقاق، آلاسم أم الفعل؟ فقد قضي للبصرة على الكوفة.

3 - صرف النصوص – خاصة الشرعية – عن المتبادر إلى ذهن العربي الأول غير سائغ ولا مقبول، إلا بدليل، أو على الأقل قرينة واضحة. وقد يقول قائل: ما أدرى الرسول بشكل الرحم؟ والحمدلله لسنا شيعة لنخلع عليه صل1 علم الغيب، وما كان وما يكون. ففي مثل هذا التفسير افتيات على بلاغة رسول الله الذي أوتي جوامع الكلم. وفتح هذا الباب سيؤدي للتزرية بالنص الشرعي، والسخرية منه – إن لم يكن تكذيبه - فيما لو خالف القاعدة العلمية، تماما كما هو الأمر مع الإعجاز العلمي. وإنما قصد الرسول صل1 التشبيه؛ تعبيرا عن رقة إحساس المرأة ورهافته، فشبهه بالزجاج سريع الكسر، ومستحيل الشعب. وواقع الحال يشهد أن ملايين بنات المسلمين المراهقات ومن فوقهن قد فتنهن الشيطان بأصوات المطربين منذ عبدالحليم حتى آخر مغن اليوم. بل لقد سجل التاريخ المعاصر حالات انتحار لبنات بسبب وفاتهم أو حتى إصابتهم بحادث. وليس يمنع مثل هذا السفه والطيش إلا تربية دينية سليمة. ولقد ذكرني فعل الأستاذ المهندس بفعلة عمرو خالد؛ لما تناول الحديث الشريف " إنكن أكثر أهل النار " ففهم عمرو منه أن الرسول صل1 " بيهزر مع النسوان " وحاشاه صل1 من هذا الخطل.

4 - القوارير ليس لها شكل واحد؛ بل منها المدور والمربع والمثلث وغيرها بالعشرات .. فإذا صح أن واحدا من هذه الأشكال يشبه رحم المرأة، فهو مجرد صدفة، كما إن بريطانيا وإيطاليا – في الخريطة - تشبهان الحذاء، ولا بد من استخدام الخيال عندئذ. ومن النوادر الطريفة أن عميد المترجمين في لندن – وهو الدكتور صفاء خلوصي – قال متندرا: إن شكسبير عربي الأصل، واسمه قبل التحريف الشيخ زبير، فرويت عنه ولم تكن سوى دعابة. وبما أن الأستاذ مولع بالفيزياء، فدعوني أذكره بنظرية الأواني المستطرقة. ثم لي سؤال: هل قناة فالوب مثلا تشبه شيئا من القنوات المائية؟ عجبا.

5 - يلجأ صاحب النظرية إلى المنهج الانتقائي، فيكتفي بنص واحد ليثبت ما توصل إليه، ويقصي النصوص الأخرى، وغير خاف أن هذا منهج غير علمي، وغير مقبول. فمثلا: القارورة لا تكون إلا من الزجاج نعم، وإذا كانت من غيره فلا تسمى قارورة. وأما قوله تعالى " قوارير من فضة" فيؤكد هذا ويعضده، ويدعمه ولا ينفيه؛ كأنه تبارك وتعالى يقول: ليس نعيم الجنة بالمعروف ولا المألوف لديكم، وفي الآية تصرف بلاغي عجيب. والأستاذ قد أخذ هذه الآية وتغافل عن مثل قوله تعالى {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} النمل44 ولو لم تكن زجاجا شفافا، فكيف تحسبه ملكة سبأ ماء، فتكشف عن ساقيها؛ كي لا تبتلا؟ ومثله استدلاله بقرار مكين، وكان عليه أن يتناول لفظ قرار حيثما ورد في التنزيل، لا أن يختار موضعا واحدا، ثم عليه يبني قاعدته، وإلا فماذا يقول عن قوله تعالى {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} المؤمنون50. وهنا لي ملاحظة على ابن منظور، لا على ابن النور؛ فقد زعم أن وصف المرأة بالقارورة هو من ديدن العرب، ونعم قد كان هذا ولكن بعد حديث أنجشة رض1، فأما قبله فالتحدي قائم لابن منظور وغيره: أن يأتي بنص واحد، يشهد لزعمه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير