تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقلت إن القارورة هي (ما استقر فيه الشيء)، واستقر الشيء أي "ثبت" الشيء ضمن حدود معروفة.

وفائدة هذه القراءة الجديدة هي في معرفة المعاني الدقيقة للغة وتصحيح ما يرد في معاجم اللغة فمثلا ورد في تعريف كلمة "قرية" في معجم مقاييس اللغة:" القاف والراء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جمعٍ واجتماعٍ. من ذلك القرية، سمِّيت قريةً لاجتماع النَّاس فيها"، وهذا تعريف غير دقيق، فهل يمكن أن نطلق على مكان صلاة العيد مثلا قرية لأن الناس يجتمعون فيه، أو نسمي السوق قرية لأن الناس يجتمعون فيه؛ إن حرف القاف يدل على استقرار شيء في شيء، وعلى هذا فإن حروف كلمة قرية تدل على المكان الذي "يستقر" فيه جمع من الناس، (لاحظ التشابه البنيوي على مستوى حرفي القاف والراء بين كلمة قرية وقارورة)؛ فالاستقرار لا يكون استقرار لاجتماع الناس فقط في مكان ما؛ بل لطول بقائهم ومكثهم (وثباتهم) في ذلك المكان، وهذا معنى كلمة "قرية". هنا يظهر حدود للمباني والمعاني ومقاييس يقاس عليها مباني ومعاني كلمة "قرية".

خذ مثلا كلمة "القر" فقد ورد في لسان العرب: "والقَرُّ: مَرْكَبٌ للرجال بين الرَّحْل والسَّرْج، وقيل: القَرُّ الهَوْدَجُ؛ وأَنشد: كالقَرِّ ناسَتْ فوقَه الجَزاجِزُ وقال امرؤ القيس: فإِمَّا تَرَيْني في رِحالةِ جابرٍ على حَرَجٍ كالقَرِّ، تَخْفِقُ أَكفاني وقيل: القَرُّ مَرْكَبٌ للنساء."

وهنا فإن القر من حرف القاف و الراء يعني مركب للرجال أو الهودج لأن هذا المركب "يستقر" أي "يثبت" بين الرحل والسرج، كما يسمى الهودج "قر"لأنه "يستقر" أي يثبت على ظهر الجمل.

خذ مثلا كلمة "قرة" العين أو قرت العين، فقد ورد في لسان العرب:

"أَقَرَّ الله عينه: مشتق من القَرُور، وهو الماء البارد، ...

فلماذا سمي الماء البارد القرور، هل لأنه مصنوع من الزجاج؟!

المعنى في الفيزياء؛ فإذا ارتفعت درجة حرارة الماء تبدأ جزيئات الماء "بالاضطراب " والحركة" وتجاوز حالة "الاستقرار" و"الثبات" ويظهر ذلك جليا في "غليان" الماء واضطرابه عند درجات الحرارة العالية؛ لذلك فإن الماء البارد هو في حالة "استقرار" وثبات فيزيائية وتنطبق عليه الدلالات القياسية لحرف القاف والراء، وهنا تظهر عبقرية اللغة العربية بتسميته بالقرور؛ لاستقراره وثبات جزيئاته، وليس لأنه مصنوع من زجاج!!

وعين قَرِيرةٌ: قارَّة، وقُرَّتُها: ما قَرَّت به.

والقُرَّةُ: كل شيء قَرَّت به عينك، والقُرَّةُ: مصدر قَرَّت العين قُرَّةً."

وقرة العين لأن العين "تستقر" وتثبت" في مكانها وهذه الحالة دليل على الاطمئنان لدى الإنسان، لأن حالة الخوف أو القلق تظهر في عين الإنسان باضطراب "حدقة" العين واهتزازها، وهي حالة ضد الاستقرار والثبات.

وقد يعجب المرء حين يعلم أن العرب تسمي حدقة العين "قارورة" العين؛ لأن الحدقة تحتوي على "ماء" العين ويستقر فيها على نحو ما يستقر الماء في "القوارير"، مع أن العين ليست من مادة الزجاج، وليس كما ورد في لسان العرب والقارورة: حَدَقة العين، على التشبيه بالقارورة من الزجاج لصفائها وأَن المتأَمّل يرى شخصه فيها؛ قال رؤبة: قد قَدَحَتْ من سَلْبِهِنَّ سَلْبا قارورةُ العينِ"، بل إنها قارورة لاستقرار ماء العين فيها؛ ويزداد العجب إذا علم المرء أن العرب تقول "أبرد الله دمعة عينيه" ففي لسان العرب أيضا وفي حديث الاستسقاء:" لو رآك لقَرَّتْ عيناه أَي لَسُرَّ بذلك وفَرِحَ، قال: وحقيقته أَبْرَدَ اللهُ دَمْعَةَ عينيه لأَن دمعة الفرح باردة وورد في الصحاح في اللغة:" وأقَرَّ الله عينَه، أي أعطاه حتَّى تَقَرَّ فلا تطمح إلى من هو فوقه. ويقال: حتَّى تبرد ولا تسخن. فللسرور دمعةٌ باردة، وللحزن دمعة حارَّةٌ. وهنا يظهر دور دراسة المادة وحركتها في فهم اللغة العربية؛ لأن الدمعة الباردة هي إشارة إلى استقرار العين (قرة العين)؛لأن ماء العين بداخل الحدقة إذا سخن اضطرب وتحرك وجاوز الاستقرار والثبات (كما ذكرت أعلاه) وبسبب اضطراب هذا الماء تضطرب حدقة العين ولا تستقر وهذا ما يحدث في حالة الحزن والقلق والخوف والغضب، وفي هذا العجب كل العجب من هذه اللغة العجيبة. والله تعالى أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير