وأما قول الله عز وجل: ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ فقد ورد في لسان العرب ما يلي:" وقول عز وجل: ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ:؛ هو المكان المطمئن الذي يستقرّ فيه الماء. وهنا يظهر معنى الاستقرار أي الثبات ضمن حدود معروفة، وهو المعنى في "قرار" الماء في القارورة وفي قرار ماء الرجل في رحم المرأة.
وفي الحديث: أَفضلُ الأَيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القَرِّ؛ قال أَبو عبيد: أَراد بيوم القَرِّ الغَدَ من يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة، سمي يومَ القَرِّ لأَن أَهل المَوْسِمِ يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر في تعب من الحج، فإِذا كان الغدُ من يوم النحر قَرُّوا بمنًى فسمي يومَ القَرِّ؛ لأن الحجاج يستقرون في منى أي "يثبتون" في منى.
والقُرُّ: البَرْدُ عامةً، بالضم، وقال بعضهم: القُرُّ في الشتاء والبرد في الشتاء والصيف، يقال: هذا يومٌ ذو قُرٍّ أَي ذو بَرْدٍ، وسبب تسمية البرد بالقر لأن الناس في اليوم البارد تقل حركتهم ويكثر استقرارهم وثباتهم في أماكنهم؛ لذلك سمي البرد "قرا"، والأمثلة كثيرة في اللغة العربية.
وبعد هذه المقدمة، أشكر الأخ /عبدالرحمن الشهري على طرحه هذا الموضوع في هذا الملتقى المبارك إن شاء الله، وأشكر جميع الأخوة المشاركين الأفاضل على تعليقاتهم على هذا الموضوع و أخص الأخ رصين الرصين، بتعليقي هذا فأقول:
لو كانت علة تسمية القوارير بهذا الاسم لأنها مصنوعة من الزجاج فقط؛ لرأيت العرب تسمي "الكأس" المصنوع من الزجاج قارورة أيضا، ولضاقت علينا الأرض بما رحبت حين يظهر في زماننا "قوارير" مصنوعة من البلاستيك أو من الألمنيوم فلا ندري كيف نسميها لأنها ليست مصنوعة من الزجاج، علما بأن شيوع وانتشار صناعة القوارير من الزجاج ليس لصفاء الزجاج فبعض الزجاج له ألوان قاتمة حسب طريقة التصنيع؛ وقد شاع وانتشر تصنيع القوارير (لحفظ الماء أو السوائل الأخرى) من الزجاج لسهولة تصنيعها وذلك بتسخين مادة الزجاج ونفخها، كما أن الزجاج لا يتفاعل مع السوائل و لا يغير من طبيعتها؛ لكن تسمية القوارير لم تأتي لأنها مصنوعة من زجاج؛ بل لأن (الشراب/الماء) يستقر في بطنها.
أما قولك وبما أن الأستاذ مولع بالفيزياء، فدعوني أذكره بنظرية الأواني المستطرقة. ثم لي سؤال: هل قناة فالوب مثلا تشبه شيئا من القنوات المائية؟ عجبا.
فأقول: إن كلمة "قناة" تعني الحيز الذي "ينقل" الأشياء (عادة الماء) من نقطة إلى أخرى على نحو مستقر وثابت (أي لا يفقد منه شيئا)، وقد يزداد عجبك إذا علمت أن قناة فالوب هي "قناة" تصل ما بين المبيض والرحم في المرأة ووظيفة هذه القناة هي "نقل" ماء الرجل من الرحم إلى أعلى القناة حيث توجد "بويضة" المرأة وهناك يحدث التخصيب، أي أن الشروط الفيزيائية والوظيفية واللغوية التي من أجلها تسمى قناة الماء " قناة " تنطبق على قناة فالوب ولذلك تسمى قناة، وجواب السؤال: أجل قناة فالوب تشبه كل الشبه قنوات الماء؛ فازدد عجبا على عجب.
أما قولك:"يلجأ صاحب النظرية إلى المنهج الانتقائي، فيكتفي بنص واحد ليثبت ما توصل إليه، ويقصي النصوص الأخرى"
فإن قراءة المعنى الجديد تأتي ضمن المستويات الأربعة التي ذكرت أعلاه؛ أي يتحدد المعنى حسب دلالة الحرف وموقعه من الكلمة ودلالة الكلمة وموقعها من الجملة ودلالة الجملة وموقعها من الكلام ودلالة الكلام وموقعها من " الحدث"، وهذه انتقائية يفرضها سياق هذه المستويات وليست انتقائية مزاجية، وعلى كل حال فإن القارئ (الجديد) سيرى "رابطة لغوية" تتكرر باستمرار في جميع النصوص التي وردت فيها كلمة قارورة أو قرار أو قر بمعنى استقرار شيء في شيء، وهي رابطة لغوية بنيوية واضحة لمن يقوم بدراسة "بنيان" اللغة.
وأخيرا أقول أن القراءة الجديدة هي في حقيقتها بحث في "نظرية المعنى" التي حاول القدماء الحديث عنها في كتب ومواضيع متفرقة، منها على سبيل المثال ما ورد في كتاب الخصائص لابن جني، ومحاولته لاستقراء "حركة" الحروف في الكلمة الواحدة، وهو مجهود يمكن أن يكون أحد قواعد نظرية القراءة الجديدة لو استرسل الباحثون في دراسة مباني الحروف وربط مبنى كل حرف بمعناه، وأقول مرة أخرى إن وظيفة القراءة الجديدة هي زيادة اليقين والإيمان وليس نقض ذلك، إما إذا حدث نقض للمباني (الثوابت) والمعاني (الثوابت)؛ فإن القارئ قد أخطأ في بعض أو كل
¥