ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Sep 2010, 08:07 ص]ـ
لا أعرف شيئا في حياتي قدر معرفتي باللغة العربية.
بارك الله لك فيما آتاك من العلم بلغة كتابه، وزادك فهماً، ولستُ عمَّا تعلمه منها بغائبٍ فقد درستُها كما درستَها وقرأت من كتبها قدراً طيباً ولله الحمد فأرجو ألا يكون ما أقوله فيها بغير علم إن شاء الله. وحتى أخي المهندس عبدالرحمن النور فبضاعته منها بضاعة طيبة، ووالده رحمه الله له عناية دقيقة باللغة العربية وعلومها، فأرجو ألا يكون ما يكتبه عن جهلٍ باللغة العربية وأصولها وتاريخها، ولا عن هوى وتعالم إن شاء الله، وإنما هو البحث العلمي والتأمل والتدبر فيما أبيح له التدبر والتأمل فيه.
واعلموا بارك الله فيكم أن العربية أحدث اللغات السامية نشأة وطورا ومولدا، وقبل الإسلام بثلاثة قرون لم يكن لها وجود!
هذه دعوى منك، وأعلم أنك ناقل له عن غيرك، فما كان لك أن تقول هذا إلا ببرهان قاطع، والأدلة على هذه الدعوى لا تعدو أن تكون اجتهادات لبعض مؤرخي اللغة لا تستند إلى حجةٍ وبرهانٍ، والذين يتكلمون في هذا يتكلمون بالظن، وثلاثة قرون (300 سنة) أقصر من أن تنضج فيها لغة حتى تبلغ مبلغ نضج اللغة العربية إِبَّان نزول القرآن، وحظ القائلين بقدم اللغة العربية أكثر من هذه المدة التي ذكرتموها أولى بالقبول. والجاحظ عندما أراد أن يُقدِّر تقديراً عمر الشعر استظهره بأنه قبل الإسلام بما يقارب المائتي سنة على أبعد تقدير، ولكن أين الدليل القاطع؟ لا يوجد. وهذا في الشعر وليس في اللغة نفسها التي هي أسبق فيما يتوقع.
ولذا اختارها الله وعاء لكتابه العظيم؛ لأنها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها، وتركت ما سواه، كما كانت لغة قريش بين سائر لغات قبائل العرب.
من قال إن سر اختيارها هو لأنَّها أخذت أجمل ما في اللغات التي سبقتها؟ هناك علل كثيرة لاختيارها ذكرها العلماء لبلاغتها وسعتها وغير ذلك من الأسباب. لكن القول بأنها مجرد لغة مجمَّعة من اللغات السابقة يحتاج إلى دليل قوي يضع أيدينا على هذا الأخذ من اللغات والتخير، ومثل هذه الأقوال هي مجرد افتراضات أكثر من أشاعها المستشرقون الذين يبنون على الأوهام نظريات وقواعد ومُسلَّمات يتلقفها بعضنا ويجادل بها كأنها وحي! وهي عند أصحابها مجرد افتراضات.
ثم من من اللغويين الكبار القدماء الذين يعول عليهم قال إنها كانت لغة قريش دون سائر القبائل؟ وكيف فَهِمَتْ بقيةُ القبائل لغةَ القرآن؟ ولماذا احتج اللغويون على تفسير القرآن بأشعار شعراء قبائل العرب الأخرى كبكر وتميم وغيرها.
ووفقا لما سبق، فإن وجد لفظ مشترك بينها وبين لغة سامية أخرى، فواضح أن العربية مستوردة لا مصدرة؛ ذلك أنها الأحدث وليست الأقدم.
هذه طريقة المستشرقين أخي الحبيب، يُقدِّمُ أحدهم بافتراضاتٍ وآراء شخصية ثم يقول وبناء عليه أو ووفقاً لما سبق فإنه كذا.
هناك دراسات الآن تتحدث عن أنَّ اللغة العربية القديمة هي أصل اللغات كلها اليوم، ويسميها بعضهم (العروبية) تمييزاً لها عن العربية التي نتحدثها اليوم. ولا أشك أنك قد اطلعت على بعض هذه الدراسات، وهم يصنعون في استدلالهم كما ينصع مخالفوهم، كلهم يعتمدون على أدلة ظنيَّة فيما رأيتُ، بل إن حظهم من الأدلة أوفر من مخالفيهم، وتأمل أسماء أصنام قوم نوح (يسوع) و (يعوق) .. هل هي أسماء عربية أم ماذا؟ ونوح عليه الصلاة والسلام أقدم الأنبياء بعد آدم في قول كثير من أهل العلم. وهذا بابٌ يطول الحديث فيه، وللأستاذ عبدالحق فاضل الباحث العراقي له كتاب طريف اسمه (مغامرات لغوية) لا أدري هل قرأته أم لا؟ وللدكتور علي فهمي خشيم الليبي كتب كثيرة حول هذا الموضوع، مثل (رحلة الكلمات) وغيره يتحدث فيها عن اعتبار اللغة العربية هي أصل اللغات في كلام طويلٍ وافقه فيه بعضم وخالفه فيه آخرون كالباحث علي الشوك العراقي الذي زعم أن اللغة العربية هي فرع عن السامية الحامية لا السامية فقط، ولويس عوض في كتابه (فقه اللغة العربية) زعم أن العربية فرع عن اللغات الهندية الأوربية .. وهذه كلها افتراضات. وهناك كتاب قيم للأستاذ عماد حاتم في (فقه اللغة) من الكتب القيمة في بابه.
فإذن ليس واضحاً أن اللغة العربية مستوردة لا مصدرة لأنه ليس واضحاً أنها هي الأحدث.
¥