تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجَواب: أنَّ النِّيَّة في اتِّباع الآيات على وَجه التفصيل وَاجِب استِصحَابُها ما حَييَ الإِنسان لِوُجوب اتِّباع الوَحي كلِّه الثَّابت في غَير ما آية مِن كِتابِ الله عزَّ وجل؛ أمَّا أن يَصِل الإنسَان أو لا يَصِل فأَمر آخر؛ وكلُّ ومَا قَامت عَليه الحُجة مِن ظُروف وإمكانيَّات ... ? وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً? [النساء: 100] ... ولكن الرُّوح القرآنية، والقَوانين الكُبرى التي تُقرِّبُه مِن طاعَة خالِقه، وتُبعِدُه عَن مَعصيته، وتشوِّقه إلى جَنَّتِه، وتُرهِبُه مِن نارِه لَن يُعدَمَها بِصَبره واتِّباعِه؛ ولو لَم يَستَوفِ العِلم بالآيات كلِّها على وَجه التَّفصيل؛ واللَّه تَعالى مِن رَحمته يُعين على هذا الأَمر بتِكرارِه للقَوانين الكُبرى أكثَر مِن مرَّة في القُرآن مِن جِهة، وبتوزيعِها على السُّور والمَقاطِع وعَدم ترتيبِها في أبوَاب كتِلك التي عَهدناها في مُصنَّفاتِنا! هَذا هُو المَقصُود بالإِحاطَة في الآيَة واللَّه أعلَم!

لا أتَصوَّر أن يُعاقِبَ اللَّه إنسَانا لا يَعلَم أنَّ هُنالِك نبيا اسمُه "إدريس مَثلا"، أو لا يَعلَمُ أنَّ في الجَنَّة شيئا يُسمَّى "سدر مخضود" وفي نيَّته الاتّباع وعَدم الإِعراض، ولا أتًصوَّرُ أنَّ جَهله بِما ذُكِر سَيعُوقُه عن سُلوكِ سبيل التَّقوى والنَّجاة في الآخِرة؛ ولا يَعني هذا أنَّ تِلك الآيات زائدة أو لا فائِدة فيها! حاشا ولله! بل إنَّها ستزيدُه إيمانا وثَباتا لَو قدَّر اللَّه لَه طُولا في العُمر وصبرا على الاتِّباع والتَّعلُّم!! ... ? وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة: 124]. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ? [التوبة: 125].

ثم لِقائِل أن يَقُول: إذَن فما فائِدة التَّفسير الاصطِلاحي إذَن إذا كانَ في التَّفسير الفُرقاني الغُنيَة والكِفاية؟!

والجَواب: أن التَّفسير الفُرقاني وإن كان كَفيلا بتثبيت القُلوب على حَقائِق الفُرقان، وإزاحَة الشُّبَه والأباطيل والأَنقاض التَّصوُّراتية؛ إلا أنَّ للتَّفسير الاصطِلاحي الذي هُو: (علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، و مدلولاتها، و أحكامها الإفرادية، و التركيبية، و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، و تتمات لذلك؛ كما يُعرفه أبو حيَّان) دَور آخَر مُهم جِدا؛ وهُو الاستِفادة من كلِّ آيَة بِخُصوصها؛ مِن حَيث الكلمات الانفرادية المُعجَميَّة، والمدلول التَّراكبي للكَلِمات، وكذا المَعاني السِّياقية بِنوعيها: الصُّغرى والكُبرى؛ مِن غَير أن نَنسى الوِحدة المَوضوعيَّة للسُّورة وَما يُستَفاد مِنها مِن لَطائِف وإشارات وأحكام!!

فالعلاقَة بينَهُما إذَن عَلاقة تَكامُليَّة ... وإن كان التّفسير الفُرقاني أكثَر أهميَّة وخُطورة؛ لأنَّه الفَيصَل بين الهُدى والرَّشاد؛ والحق والضَّلال؛ ولِأنَّ المَفاهيم التصوُّريَّة الكُبرى التي تُحدِّد قِبلة الإنسان في الحَياة، وتوجِّه سُلوكَه أَولى مِن الأحكام الجُزئية التي تُستَفاد مِن دليل بِعينِه؛ ولأنَّ كَثيرا من الزَّيغ الذي وَقع فيه كَثير مِن المُفسَّرين (بالمَعنى الاصطلاحي الكلاسيكي) إنَّما سَببه عَدم تشبُّعِهم بالتَّفسير الفُرقاني، وظنِّهم أنَّ تتبُّعهم لآيِ الكِتابِ آية آية كاف في فَهم مَنطِق القُرآن وقَوانينه الكُبرى، ولَكن هيهات! وأحسَن مِثال على ذَلك رُبَّما مسألة: جزاء مُرتَكب الكبيرة التي وَقع فيها خَلط عجيب عند المفسِّرين، وكذا مسألتي الشَّفاعة والخُلود في النَّار!

نسأل الله سُبحانه أن يُوفِّقنا إلى اتِّباع كِتابه، والاصطِباغ بِهديه؛ فهُو وَحده المُوفِّق والهادي إلى سواء السَّبيل ... ? صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ? [البقرة: 138].

? بقلم الطَّالب: نسيم بسالم

متخصص في الدراسات القُرآنيَّة والفِقهيَّة

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[12 Aug 2010, 12:27 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير