للثورة في الأمور الداخلية (ولعله نفس منصب رئاسة التحرير المتقدم ذكره) 31 ويذكر سيد نفسه أنّه كان يشتغل معهم بعد انتصار الثورة مباشرة حوالي اثني عشرة ساعة في اليوم الواحد32
وبعد شهر من قيام الثورة أقام الضباط حفلا تكريميا لسيد في نادي الضباط بالزمالك هو عبارة عن محاضرة ألقاه سيد بعنوان "التحرر الفكري والروحي في الإسلام" وكان من المقرر أن يفتتح الحفل الرئيس محمد نجيب إلاّ أنه غاب لأعذار ذكروها فبعث برسالة مع أنور السدات جاء فيها اعتبار سيد رائد الثورة ومعلمها وراعيها
وممّن كان حاضرا وألقى كلمة يومها طه حسين جاء فيها التنويه بفضل سيد على الثورة وأنّ في سيد خصلتان هما المثالية والعناد وأنّ سيدا قد انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة , وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام!
وممن حضر الحفل جمال عبد الناصر وقد انتقد سيد في هذا اللقاء بعض اختيارات الضباط وذكر فيما ذكر أنه مستعد لكل شيء بما في ذلك للسجن إن اضطر لذلك فصاح جمال عبد الناصر يومها أن لن يكون ذلك إلاّ على جماجمنا وأرواحنا أو كما قال .....
ولقد حاول سيد الإصلاح بين رجال الثورة والإخوان ولكن بعد جهد جهيد انتهى به المطاف إلى مفاصلة الضباط والانضمام للإخوان ...
ومن خلال هذه الجولة مع نشاطات سيد الحزبية والثورية نقف عند بعض ما نراه قد أثّر في فكره منهجه وتفسيره:
• عاش مع أمته يهتم بشؤونها عاملا بشتى الوسائل من أجل إصلاحها إنقاذها وخلاصها
• عاش حياة كلها معارك في التصورات والعقائد والأفكار
• دائم البحث عن الأفضل والحقيقة والصواب
• التراجع عن مبادئه وأفكاره في أيّ وقت وبدون أيّ عقدة إذا تبيّن له أنها باطلة وخاطئة
• النقد الذاتي ونقد كلّ ما يراه مخالفا للحق والصواب
• القوة والشدّة والحماسة في التعامل مع المخالف
• مصاحبة رجال السلطة وصناع القرار ما ساعده على أن يؤسس ويكون تصورا حقيقيا وواقعيا لهم ما مكّنه من إصدار أحكام صائبة وصحيحة في ظلاله
• الاطّلاع على المؤامرة المحاكة ضدّ الإسلام والمسلمين من داخل العالم الإسلامي ومن خارجه
• اعتماد أسلوب الثورة والقتال كوسيلة للإصلاح والتغيير
سابعا: أمريكا
للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي كتاب خاص بالموضوع عنوانه: "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب" طُبِع أوّل مرة سنة 1985 وأعيد طبعه لغاية 1989 خمس مرات وجلّ مادة هذا البحث منه منقولة من كتابه الذي اعتمدناه مصدرا "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد" من الصفحة 191 إلى الصفحة 211
لقد شاء الله عزّ وجلّ لهذا المفسّر والأديب والمفكر والداعية الإسلامي أن يتعرف على أمريكا وهي تمثل اليوم ذروة سنام الجاهلية ورأس الكفر والطغيان ومصدر التمرد على الأعراف ووكر الفساد في القيم والأخلاق
وقد اختلفوا في سبب ذهابه وإيفاده إلى أمريكا لكن يبدو أن جهات مختلفة ومتعددة كانت تريد إبعاد سيد عن الساحة خاصة بعد أن أسفر وأبان عن اتجاهه الإسلامي ...
فالقصر يريد التخلص من انتقاداته اللاذعة ومن عداءه للملكية وللتواجد الأجنبي بمصر
والحكومة كذلك معاركها معه لا تنتهي وآخرها انتهت بغلق مجلة "الفكر الجديد"
وانتقاداته المتكررة والمتواصلة داخل الوزارة سواء منها الانتقادات المنهجية أو السلوكية وآراؤه الإصلاحية والتجديدية قد ضاقت بها صدور رؤسائه ... فلم يعودوا يتحملوا شيئا من ذلك وليس أنفع للجميع من إرساله إلى أمريكا يتخلصون منه بعض الوقت ولعله يتغير فكره كما تغير فكر من أرسِل قبله كصاحب "أصول الحكم" و "الأدب الجاهلي" وغيرهم
أو لعله يلقى من الغواية ما يوهن من قوته ويخفّف من حدّته .....
سافر سيد على ظهر باخرة من الإسكندرية إلى نيويورك يوم 3 نوفمبر 1948 وقد وقعت له في سفره هذا حوادث وتأملات ذكرها في مختلف كتبه منها تفسيره ... نوجز ونلص بعضها ممّا نظنّ أنّه قد يكون أثرّ في تحديد منهجه وفكره الجديد بل لعله السبب المباشر نحو التوجه إلى الله بصدق , التوجه إليه بكلّ ما فيه وليس مجرد تأملات وخواطر واعترافات يسجلها في كتاب أو مقال ...
¥