? التفكر في نعمة الله عليه وعلى الناس أجمعين لمّا رأى تسخير هذا البحر المهول يقول عليه رحمة الله: "ما أحسستُ ما في هذه اللفتة من عمق , قدر ما أحسستُ ونقطةٌ صغيرة في خضمّ المحيط, تحملنا وتجري بنا والموج المتلاطم والزرقة المطلقة من حولنا والفلك سابحةٌ متناثرة هنا وهناك ... ولا شيء إلاّ قدرةُ الله وإلاّ رعاية الله وإلاّ قانون الكون الذي جعله الله يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثَبجِ الأمواج وخِصَمِّها الرهيب "
? ذات ليلة وقف متأملا متفكرا يقول: " ... أحسستُ هذه الموسيقى العلوية الشاملة ... موسيقى الوجود. مرة وأنا في عرْش المحيط , والباخرة تمرُّ مرّ الريح على وجه الخضم والنسيم رخاء والليل ساكن والقمرُ مفضفضُ اللألاء ... والثانية وأنا على قمة جبل تشرف على حديقة من الصخور يسمونها هنا [سان فرانسيسكو] حدائق الآلهة وقد انكشف المرتقى والمنحدر كلاهما , واعتنقنا عند تلك القمة الشاهقة في الفضاء .. لست أدري كيف أحسست ولست أدري كيف أقول , إلاّ أنّ تعبيرا واحدا انساب على لساني في تلك اللحظة التي أوْمضتْ في روحي كما تومِضُ الشعلة , فتكشفُ الطريق إلى بعيد ثم تغيب , تعبيرٌ واحدٌ أحسستُ فيه كلَّ ما فاض على خاطري في تلك اللحظة من قدسيةِ وشفافيةِ وتسبيحِ موسيقى الوجود ... " ثم قال معلقا على هذه المشاهد والتأملات "كلا إنّها ليست لُقىً هذه الحياة ولا وليدة المصادفة العمياء ... كلا إنّ هناك نَغَماً واحدا سارباً في هذا الكون كلّه , ولكن الآذان لا تسمعه في كلّ آن. وإنّ هناك نسقا واحدا يضمُّ الأشتات ولكن العيون لا تبصره في كلّ اللحظات ... هل خدعتني الأوهام؟ وكذبتني الأحلام؟ كلاّّ فإنّي لا أكذّبُ ما تلمسه يدي وما تراه عيني وما تسمعه أذني ولا أكذب مسَّ هذه اللحظة الخاطفة لروحي وإشراقها في ضميري ... "33
? محاورته لنفسه؛ محاورة حددت موقفه من أمريكا قبل الوصول إليها بل وحددت موقفه من الحياة كلّها فيما سيأتي من الأيام يقول عليه رحمة الله: "أأذهب إلى أمريكا, وأسير فيها سيرَ المبتعثين العاديين , الذين يكتفون بالأكل والنوم , أم لا بدّ من التميّز بسمات معينة؟ وهل غيرُ الإسلام , والتمسك بآدابه والالتزام بمنهاجه في الحياة , وسط المعمعان المتْرَف المزود بكل وسائل الشهوة واللذة والحرام؟ وأردتُ أن أكونَ الرجلَ الثاني ... "
? بعد هذه المحاورة بعد هذا التأمل تحول سيد إلى داعية للإسلام داخل السفينة وبين ركابها فقد رأى مبشرا نصرانيا يدعو لنصرانيته فتحركت فيه مشاعر الإيمان وذهب إلى قبطان السفينة وطلب منه السماح له بإقامة خطبة وصلاة الجمعة على السفينة وقام سيد بإمامة الناس والخطبة فيهم وسط إعجاب جماهيري واسع وقد أبدت سيدة يوغسلافية تأثرها بقراءة سيد للقرآن ما استفاده سيد فيما بعد في بيان بعض أوجه إعجاز القرآن الكريم ...
? كما ذكر سيد عدة محاولات لإغوائه وجرّه إلى الفتنة منها سواء منها داخل السفينة أو بأمريكا وقد عصمه الله من الوقوع في الفتنة والمعصية ... وكانوا يتعجبون من موقفه الشاذ في مجتمع المعصية والشذوذ ...
? كما تعرّض لمحاولات احتوائه سواء من طرف الأمريكان أو الإنجليز وذكر قصصا عدة لضباط سخروا له كلّ شيء من علمي مادي إغوائي إغرائي كلّ شيء من أجل أن ينسلخ من دينه ويخدم مصالحهم داخل مصر والعالم العربي والإسلامي ولكنهم لم يظفروا بشيء من ذلك ...
? ثم إنّه وقف على ضلال أمريكا وقف على عقائد القوم الباطلة وعلى سلوكاتهم الفاسدة ورأى منهم العجب العجاب الذي سطّره في العديد من كتبه ومقالاته وخاصة منها تفسيره ...
? اطّلاعه على مناهج التربية والتعليم داخل أمريكا ودراسة أساليبهم ووسائلهم التعليمية والتربوية وقد أنكر بعضها ولكنّه أقرّ بجدية وإيجابية الكثير منها ...
? ومن الحوادث التي أثّرت فيه بأمريكا موقف المستشرقين ورجال الدين والفكر من جماعة الإخوان المسلمين وعداؤهم السافر والشديد لها ... ثم فرحهم وسعادتهم لمقتل حسن ألبنا رحمه الله حتى أنّهم أقاموا الولائم والأفراح لذلك ...
أقام سيد بأمريكا أقلّ من سنتين وعاد منها ملتزما لا بالإسلام فقط بل بالعمل للدين والسعي للتمكين له وعاد وهو لا يرى للأمة خلاصا إلاّ بالعودة إلى دينها وكان ذلك بتاريخ 20\ 8 \ 1950 وبعد ثلاثة أيام فقط عاد إلى عمله بالوزارة
¥