.... "48
رابعا: الوحدة الموضوعية للقرآن وللسّور
? التعريف بها:
المقصود بالوحدة الموضوعية وحدة موضوع السور وترابط آياتها واشتراكها في خدمة وتجلية ذات الموضوع وكذا اشتراك جميع السور في موضوع ومنهج وغاية واحدة من أوّل القرآن إلى آخره 49
فقد كان رحمه الله يرى أنّ للقرآن موضوعا واحدا هو بيان منهج الحياة ومهمة واحدة هي تَمَثُلُ هذا المنهج في حياة الأشخاص والأمم وهدفا واحدا هو هداية البشرية إلى ذات المنهج ... وكلّ ما ورد بين دفتي المصحف لا يخرج عن هذا الإطار قطّ.
وقد بيّن ذلك كلّه في مقدمته التي استغرقت ثمان صفحات من الحجم الكبير.
غير أنّ الآيات والسور اختلفت في كيفية تناول هذا الموضوع فهي في كثير ممّا نزل بالمدينة تُفَصّلُ تشريعات أصحاب هذا المنهج وتبيّن علاقتهم بمخالفيهم من الجماعات والأمم بينما هي فيما نزل بمكة إنّما تتحدث عن أصل هذا المنهج والقاعدة التي ينبني عليها كما تتحدث عن تاريخه الطويل وعن شبه أعدائه عبر مختلف الأزمنة والعصور وتتحدث كذلك عن عاقبة أصحابه ومناوئيه إن في الدنيا أو الآخرة ....
ولتجلية هذه الحقيقة من خلال مختلف السور كان عليه رحمة الله يبتدئ تفسيره لكل سورة بمقدمة يُعرّف فيها بالسورة مبيّنا سبب نزولها إن كان لها سببٌ ومُبَيِّناً الملابسات التي صاحبت نزولها ثم يذكر موضوعها المُوَحّد أو محاورها التي تدور حولها .... يقول عليه رحمة الله: "إنّ كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة , وذات ملامح متميزة , وذات منهج خاص , وذات أسلوب معين , متفرد , وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد , وهذه القضية الكبيرة ...
إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية , ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة , وطرائقها المتميزة ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع وتحقيق هذه الغاية ....
إن ّ الشأن في سور القرآن ــ من هذه الوجهة ــ كالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة: كلهم إنسان , وكلهم له خصائص الإنسانية , وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي الإنساني ... ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشدّ التنوع , نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح , وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلاّ الخصائص الإنسانية العامة!.
هكذا عدت أتصور سور القرآن , وهكذا عدت أحسّها , وهكذا عدت أتعامل معها , بعد طول الصحبة , وطول الألفة , وطول التعامل مع كل منها , وفق طباعه واتجاهاته , وملامحه وسماته .... " اهـ50
ويقول أيضا:" ... ومن ثمّ يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أنّ لكل سورة من سوره شخصية مميزة , شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس , ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص. ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها , ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة , تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو. ولها إيقاع موسيقي خاص ــ إذ تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة ..... و طابع عام في سورة القرآن جميعا .... "51
? اختلاف النقاد والدارسين في تسمية هذا المعلم:
أجمع الدارسون لتفسير الظلال على ذكر هذا المعلم وبيان هذه السمة كما اتفقوا جميعهم على تميّزه بها إنْ بالإحداث والإيجاد عند البعض أو على الأقلّ بالكثرة والإبراز والاطّراد عند غالبهم لكنهم اختلفوا في تسميتها لأنّ صاحب الظلال لم يصطلح عليها بمصطلح خاص فأكثرهم وعلى رأسهم المتخصص الدكتور عبد الفتاح صلاح الخالدي ومثله الأستاذ عبد الرحمان الحاج إبراهيم52 والدكتور عدنان زرزور في كتابه علوم القرآن53 اصطلحوا عليها بقولهم الوحدة الموضوعية وذلك تماشيا مع كثرة ما كان يذكر سيد قطب لفظة الموضوع حين يتعرض بالحديث لهذه السمة والميزة فانظر على سبيل المثال لا الحصر كلامه الذي نقلناه في الفقرة السابقة وستجده ذكر لفظة موضوع ثمان مرات
¥