بينما اصطلح عليها الدكتور أحمد بزوي الضاوي54 بالوحدة النسقية وقد علّل اختياره لهذه التسمية وانتقاده لمصطلح الوحدة الموضوعية بقوله: "وهذا الأساس المنهجي هو ما يمكننا أن نصطلح عليه بالوحدة النسقية للسورة القرآنية , عوضا عن الوحدة الموضوعية والعضوية التي لا تفي بوصف حقيقة وواقع الخطاب القرآني كما أنها توحي بمشابهته للنصوص الأدبية والفكرية التي يبدعها أو يؤلفها البشر , ومعنى ذلك أنها لا تحفظ للنص قدسيته , وهي من كليات العقيدة الإسلامية ... "55
أما الدكتور محمد عبد الله دراز56 فيطلق عليها اصطلاح الوحدة العضوية57
ويطلق عليها الدكتور جابر علوان 58 وكذا الأستاذ محمود البستاني مصطلح الوحدة البنائية 59 أو عمارة القرآن
كما يطلق عليها الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة60 مصطلح مقاصد السور
وجمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين يطلقون عليه اصطلاح المناسبة أو التناسب سواء بين السور أو الآيات
بينما يطلق عليها المعلم عبد الحميد الفراهي الهندي في تفسيره "تأويل الفرقان بالفرقان" تسمية نظام القرآن
ولا مشاحة في اللفظ إذا توافقت المعنى ...... ولم نَسُقْ هذه الاصطلاحات والتسميات إلاّ ليكون الطالب على دراية بمدلولاتها وأنّها في مجموعها بمعنى واحد هو اتفاق سور القرآن في مواضيعها ومحاورها وهو أمر لا ينكره أحد وليس أدلّ عليه مثل قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن , ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
? هل يُعَدّ سيد قطب مكتشف هذه السمة في القرآن الكريم؟
حتى وإن عدّه بعض الدارسين القاصرين وكثير من التابعين المتعصبين مكتشف هذه النظرية ورائدها فإن الحق الذي يثبته البحث العلمي الدقيق والمتأني خلاف ذلك. لأنّ الوحدة الموضوعية كما يسميها البعض هي ذاتها المناسبة أوالتناسب بين آيات وسور القرآن الكريم ــ وبتعبير أدقّ هي جزء من هذا العلم القديم ــ فهذه السمة والحقيقة القرآنية كانت معروفة قديما عند السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم والتي سُجِلت فيما بعد كنكت وفوائد وملاحظات في مختلف المصنفات ثم ألفت فيها كتب خاصة جعلت من هذه الملاحظات علما قائما بذاته له قواعده وضوابطه وله حدوده ومسائله وسنحاول هاهنا بيان ذلك بشيء من الإيجاز نرجوا أن لا يكون مخلاًّ
لقد مرّ هذا العلم كغيره من العلوم بمراحل عدة قبل أن ينضج باكتمال حدوده ومبادئه ولعل أول مراحله لما كان كغيره من العلوم معروفا عند السلف دون أن يسموه أو يحددوه, علم يستعان به على فهم كتاب الله وتقريب معانيه يستقونه ممّا حباهم الله به من العلم بلسان العرب ورجاحة العقل وتعاليم الوحي والنبوة .....
يقول الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة: "العلم بمقاصد السور لم ينص عليه الأوائل , وإنما اعتبره الصحابة والتابعون ــ بالاستقراء والممارسة في تفسيرهم , ولم ينص على هذا العلم بهذا الاسم إلاّ عند المتأخرين , ذلك شأن جميع العلوم , فأنّ العلوم كانت ممارسة عند السلف , ولكن التسمية جاءت متأخرة , فعلم النحو مثلا كان ممارسا ولم يكن موجودا , وعلم البلاغة كان ممارسا ولم يكن موجودا , وهكذا في علوم القرآن في أنحاء شتى , ومصطلح الحديث وعلوم أخرى."61
ويقول الإمام البقاعي62 في كتابه مصاعد النظر: "وقد كان أفاضل السلف يعرفون هذا , بما في سليقتهم من أفانين العربية , ودقيق منهاج الفكر البشرية , ولطيف أساليب النوازع العقلية , ثم تناقص العلم حتى انعجم على الناس , وصار حد الغرابة كغيره من الفنون "63
ويذكر فضيلة الدكتور نور الدين عتر64 في مذكرته "علم المناسبات" أنّ أوّل ما بدأ به علم المناسبات شذرات على لسان السلف رضي الله عنهم يستأنسون بها في تفسير القرآن ولا سيما في اجتهاداتهم وحواراتهم .... انتهى كلامه
¥