واختلفوا في أوّل من سجل هذا العلم أو فصولا منه ولو منسوبا لغيره من العلوم؛ فذهب الدكتور عتر إلى أنّ أوّل ظهور هذا الفنّ مسجلا كان على يد الإمام أبي جعفر الطبري المتوفي سنة 310 هـ وهو مذهب يعوزه الدليل والإحالة إلى ما كتبه ابن جرير عليه رحمة الله في هذا الباب خاصة وأنّ تفسيره متوفر وموجود بين أيدينا يقول الدكتور عبد الفتاح صلاح الخالدي مناقضا ومعارضا ما ذهب إليه الدكتور عتر: " ... من المفسرين السابقين من لم يلتفت إلى الوحدة الموضوعية , ولم يهتم ببيانها في تفسيره , كما فعل الإمام محمد بن جرير الطبري , الذي يبدو أنّ منهجه في التفسير هو جمع الروايات والأقوال المأثورة في تفسير الآية أو المقطع من مقاطعها ــ هو الذي حدد له طريقه في التفسير , ومن ثم تجاوز الكلام عن الوحدة الموضوعية .... " اهـ 65
وجمهور الدارسين لهذا العلم يرون أنّ أوّل من أظهره الإمام أبو بكر النيسابوري66 يقول الشيخ أبو الحسن الشهراباني67: " «أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ـ ولم نكن سمعناه من غيره ـ هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، كان يقول على الكرسي إذا قُرئت عليه الآية: لِمَ جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يُزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة» 68
ثم لم يزل كذلك شذراتٍ , فواصلا , نكتا , وفوائداً , متفرقة في كتب التفسير وعلوم القرآن تكثر عند هذا وتقلّ عند ذاك إلى أن جاء الأستاذ أبو جعفر بن الزبير الغرناطي69 شيخ أبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 708 هـ فألف كتابه "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن" وقد حقّق هذا الكتاب كلّ من الدكتور سعيد الفلاح 70 والأستاذ شعباني محمد في رسالة ماجستير مقدمة لدار الحديث الحسنية بالرباط قال عنه سماحة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي حفظه الله في مقدمة تحقيق الدكتور سعيد الفلاح بقوله (كتاب أصيل من نوادر المخطوطات في هذا الفن ويعد عمدة المصنفات في هذا الباب بل هو أقدم المؤلفات المعروفة التي أفردت فيه وكثيرا ما ذكره العلماء وأحالوا إليه ونقلوا واستفادوا منه) وممّا قاله فيه صاحبه مبينا أسبقيته بالتأليف في هذا العلم: "أما تعلق السور على ما ترتب في الإمام واتفق عليه الصحابة , فمما لم يتعرض له فيما أعلم ولا قرع أحد هذا الباب ممن تأخر أو تقدم " اهـ71
ثم جاء بعده برهان الدين البقاعي الذي انتشر وعرف على يديه هذا العلم لأنّه أوّل من جعل له حدودا وتعريفات وبيّن أقسامه وأبوابه وفصّل فيه القول أحسن تفصيل وذلك في كتابيه "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" المشهور بتفسير البقاعي ومختصره "دلالة البرهان القويم على تناسب آي القرآن العظيم"
ثم توال التأليف في هذا العلم تترا فللسيوطي في الباب كتب ثلاث "أسرار التنزيل"72 "تناسق الدرر في تناسب السور"73 "مراصد المطالع في تناسب المقاصد والمطالع"
ولأبي الفضل عبد محمد الصديق الغماري74 كتاب "جواهر البيان في تناسب سور القرآن"
وللمولوي أشرف علي التهانوي75 "سبق الغايات في نسق الآيات"
وللمعلم عبد الحميد الفراهي 76 "دلائل النظام"
وممن عرض لهذا العلم والفن من المفسرين قبل سيد قطب عليه رحمة الله
? أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن البخيبي اليمني الحرّالي نزيل حماة من بلاد الشام في تفسيره الذي يقول فيه البقاعي: " .... فرأيته عديم النظير , وقد ذكر فيه المناسبات , وقد ذكرت ما أعجبني منها وعزوته إليه"
? ابن النقيب الحنفي77 في تفسيره وهو في نحو ستين مجلدا يذكر فيه المناسبات بين الآيات وبين السور
? الزمخشري في الكشاف فقد جعل للمناسبة حظا من تفسيره
? الفخر الرازي في مفاتيح الغيب فقد اعتنى فيه بالمناسبات من جملة ما اعتنى به من العلوم
? أبو حيان الأندلسي تلميذ أبي جعفر بن الزبير في تفسيره البحر المحيط
? أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى الطحاوي في إرشاد العقل السليم
? المخدوم المهيامي الهندي في "تبصير الرحمن وتيسير المنان "
? أحمد مصطفى المراغي في تفسيره
? محمد رشيد رضا في تفسير القرآن العظيم المعروف بتفسير المنار
? وأخيرا في ظلال القرآن لسيد قطب
¥