? يفسر سيد قطب رحمه الله المقاطع من خلال تقسيمها إلى بُنْيَاتٍ؛ وهي مجموعة من الآيات أو آية طويلة تعالج قضية واحدة أو تشترك في خاصية واحدة فنّية جمالية أو منهجية أو موضوعية ..... وهذه البنيات لم تخرج عن منهجه في التفسير كذلك فإنّه يفتتحها بمقدمة يعرِّفها بها من حيث محورها وعلاقتها بالبنية التي قبلها والتي بعدها وبموضوع المقطع كلّه. نُمَثِّل لمقدمات البنيات بتفسيره لقوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله .......... واعلموا أنَّ الله شديد العقاب} يقول عليه رحمة الله:"وأوّل ما يلاحظ في بناء الآية هو تلك الدقة التعبيرية في معرض التشريع , وتقسيم الفقرات في الآية لتستقل ببيان الحكم الذي تستهدفه , ومجيء الاستدراكات على كل حكم قبل الانتقال إلى الحكم التالي , ثم يربط هذا كله في النهاية بالتقوى ومخافة الله .... "
? ثم ينتقل سيد إلى تفسير عناصر البنيات وهي إمّا آية صغيرة أو أجزاء من آية يستخلص منه المواعظ والعبر أو التشريعات والحِكم , وتفسير سيد هاهنا وإن كان من التفسير المَوْضِعي أو التفسير الجزئي إلاّ أنّه يلتقي مع التفسير الموضوعي في كونه يربط العناصر بالبنيات والمقاطع والسور من خلال بيان علاقتها بها وأنّها لا تخرج عن موضوعها الرئيس الذي سطره في مقدمة الجزء أو السورة
? غالبا ما يختم سيد جميع مستويات تفسيره سواء منها الأجزاء أو السور أو المقاطع بحوصلة جميع ما ذكره و بإعادة ربط الأواخر بالأوائل
? وبناء على ما سبق يمكننا القول بأن منهجية سيد في التفسير قائمة على مراحل ثلاث:
1) التجميع: من خلال مقدمة القرآن أوّلا ومقدمات الأجزاء والسور والمقاطع والبنيات إذ يعتمد فيها على النظرة الإجمالية الشاملة لمجموعة الآيات المفَسَّرة
2) التفصيل: من خلال الأجزاء بالنسبة للقرآن كله والسور بالنسبة للأجزاء والمقاطع بالنسبة للسور والبنيات بالنسبة لجميع ذلك وفيها يعتمد تفصيل وبيان ما أجمله في المقدمة بشرح العناصر وتفسيرها وربطها بمقدماتها
3) إعادة التجميع: بذكر العلاقة بين الأواخر والأوائل أو بذكر حوصلة وخاتمة للمستوى المُفَسَّر يبين فيها علاقته بالموضوع الرئيس واشتراك جميع جزئيات المستوى فيه , فهو يعتمد في هذه العملية على العودة بالتفصيلات المذكورة في الحشوّ إلى مقدماتها حتى لا يخرج ذهن القارئ وانتباهه عن الوحدة الموضوعية لتفسير الجزء أو السورة أو المقطع ...
ولو حاولنا المقارنة بين ما سطّره الدارسون والمتخصصون من إجراءات وخطوات ينبغي للمشتغل بالتفسير الموضوعي أن يتبعها وبين صَنيع سيد قطب لوجدنا بينهما مطابقة تامة اللهمّ إلاّ في عدم تعرض سيد قطب للمناسبة بين أسماء السور وبين مواضيعها ولعل السبب من وراء أخذه بمذهب القائلين أنّ جلّ أسماءِ السور اجتهادية بدليل تعددها وكثرة الاختلاف فيها أو أنّه كان يعتقد أنّ لا علاقة بين الأسماء والمسميات من حيث الدَلالة والموضوع
بل إنّنا نجد أنفسنا ملزمين بالقول أنّ كثيرا من هذه المعالم الإجرائية والمنهجية إنّما أخِذَت من تفسير الظلال ذاته وذلك كما فعل الأستاذ محمود البستاني والطالب الباحث عدنان البحيصي وغيرهم ممّن ذكر هذه الإجراءات والخطوات إذ جُلّهم إن لم نقل كلهم من المعاصرين المتأخرين عن سيد قطب عليه رحمة الله
خامسا: التفسير الموضوعي عند سيد قطب سنحاول في هذا المطلب أوّلا تقديم بيان الفرق بين كلّ من الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي وعلم التناسب أو المناسبة حتى يتبيّن لنا سبب التفريق بين المعلم الرابع والخامس (الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي) من هذه المعالم التي امتاز واختص بها الظلال ثم نخلص بعد ذلك إلى بيان منهجية سيد في تناوله للتفسير الموضوعي
¥