المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير متنبهين لهذه الأمور، وليس الأمر في هذا الباب إلاّ كما قيل:
والنجمُ تستصغرُ الأبصارُ رؤيتَهُ والذنبُ للطَّرْف لا للنجْم في الصِّغَرِ"82
? مناسبة فواتح السور لخواتمها يقول أبو حيان في هذا النوع من التناسب: "تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها , بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء , وسأبين ذلك إن شاء الله في آخر كل سورة , وذلك من أبدع الفصاحة , حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله , وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم , يكون أحدهم آخذاً في شيء , ثم يستطرد منه إلى شيء آخر , ثم إلى آخر , هكذا طويلا , ثم يعود إلى ما كان آخذا فيه أولا ... "وللإمام السيوطي كتاب أفرده لهذا القسم سماه "مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع"
? المناسبة في الآية الواحدة بين فواصلها ومضمونها "وهذا من دقيق التناسب في القرآن ولطيفه، تحدّث عنه البلاغيون وسموه تشابه الأطراف، وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، ومنه قول الله تعالى: (له مافي السموات ومافي [الحج:64] فختْم الآية بقوله سبحانه:?الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) (وإن الله لهو الغني الحميد) فيه تنبيه على أن ما له ليس لحاجة، بل هو غني عنه، جواد به، فإذا جاد به حمده المنعم عليه." 83
? هناك من ذكر نوعًا عجيبًا من التناسب هو: اختصاص كل سورة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة بما بدئت به؛ فمثلاً سورة (ق) تكرر فيها حرف القاف أكثر من خمسين مرة، وسورة يونس تكررت الراء فيها قرابة مائتي مرة، وسورة (ن) تكررت النون فيها أكثر من مائة وعشرين مرة.
أما باعتبار المناسبات بين مختلف السور فسبعة أقسام وأنواع هي
? مناسبة مضمون كلّ سورة لما قبلها
? بيان أنّ كل سورة شارحة لما أجمل في السورة التي قبلها يقول الإمام السيوطي في هذا المجال:"كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها , وشرح له , وإطناب لإيجازه , وقد استقر معنى ذلك في غالب سور القرآن , وطويلها وقصيرها "84
? المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمة التي قبلها يقول الإمام الزركشي:"إذا تتبعت افتتاح كلّ سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم له السورة قبلها."85
? المناسبة بالتكرار القصصي يقول الإمام البقاعي عليه رحمة الله:" به يتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى ادعي في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له بالتأخير والتقديم والإيجاز والتطويل مع أنها لا يخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكونت به القصة، وعلى قدر غموض تلك المناسبات يكون وضوحها بعد انكشاف" وبين سيد قطب قيمة هذا النوع من التناسب في تميز القصص القرآني، يقول: "وإن سياقة القصص في القرآن بهذا التنسيق في عرضه؛ وبهذا التناسق بينه وبين الموضوع الذي يساق فيه، ويستشهد بالقصص عليه؛ وبهذا التناسب بين أهداف القصص وأهداف السياق في السورة الواحدة، إن هذا كله ليشهد بالقصد والتدبير العميق اللطيف الذي لا يلحظ في الأساطير المبعثرة التي لا تجمعها فكرة، ولا يوجهها قصد، إنما تساق للتسلية وتزجية الفراغ! ". ويقول في موضع آخر: "المناسبات كثيرة وواضحة بين موضوع السورة وإشارات القصة ومواقفها." 86
? المناسبة بين فاتحة السورة وفاتحة التي قبلها كالمناسبة بين السور المفتتحة بـ: {حم} أو {ألم} أو {ألمر} ونحو ذلك
? "تنوع الأساليب البلاغية , ووجوه الخطاب , في السور ومناسبتها للسور.
? "وجوه اختيار المترادفات , وأسرار اختلافها من سورة إلى أخرى "
أما التفسير الموضوعي فينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار المفردات باعتبار السورة باعتبار الموضوع
? القسم الأول التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني: وهي عبارة عن دراسة لدلالة المفردات القرآنية داخل القرآن الكريم يقوم الباحث فيها باختيار لفظة أو مصطلح يتكرر ذكره في القرآن الكريم فيتتبع المواضع التي ذكر فيها مبيّنا مشتقاته ومنقبا عن دَلالاته في القرآن الكريم خاصة وأصل هذا الصنف وجذوره نجدها في علم الأشباه والنظائر أو الوجوه والنظائر المعروف في علوم القرآن ولعل من أوّل من كتب فيه مقاتل ابن سليمان البلخي المتوفى سنة خمسين ومائة للهجرة (150 هـ) في كتابه "الأشباه والنظائر" ذكر فيه مجموعة من الكلمات والمصطلحات التي اتحدت في اللفظ واختلفت في
¥