تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فانظر مثلا إلى تفسير قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ...... ما لم تكونوا تعلمون} [البقرة 238 ـ 239] يقول في طبعة الظلال الأولى: "أشهد أني وقفت أمام هذه النقلة طويلا , لا يفتح عليَّ في سرّها , ولا أريد أنا أن أتحمل لها , ولا أقنَع كل القناعة بما جاء في بعض التفاسير عنها: من أنّ إدخال الحديث عن الصلاة في جو الحديث عن الأسرة إشارة إلى الاهتمام بأمرها , والتذكير بها حتى لا تُنسى ... لقد بقيتُ ستة أشهر أو تزيد لا أجاوز هذه النقلة , ولا أمضي وراءها , لأنّ سرها لم يكشف لي كشفا يستريح ضميري إليه , وأشهد أنه لم يسترح بعد لما اهتديت حتى اللحظة إليه ..... " ثم بعد إيراده للتفسير الذي اهتدى إليه رغم عدم قناعته به يقول: " .... ولكنني ـ كما قلت مخلصا ـ لا أستريح الراحة الكافية لما اهتديت إليه. فإذا هُديتُ إلى شيء آخر , فسأبينه في الطبعة التالية , وإذا هدى الله أحدا من القراء فليتفضل فيبلغني مشكورا بما هداه الله .... "92 وفي الطبعة التالية بعد طول تأمل وإمعان نظر دام السنين الطوال عاود الوقوف عند هذه الآية فذكر مراسلات القراء واستجابتهم لدعوته ثم بيّن أنه لم يطمئن لشيء ممّا ذكروه ولا لشيء ممّا قرأه حتى فتح الله عليه بما كتبه في الطبعة المنقحة من الظلال حين لاحظ أنّ مراد السياق هو تبيين مجالات العبادة وأن لافرق بين الصلاة وبين أحكام الأسرة [ولا غيرها من أحكام السياسة والاقتصاد] من حيث أنها كلها عبادة لله يجب فيها الإخلاص كما يجب فيها الإتباع والله أعلم

يقول عليه رحمة الله: " ... وتندمج عبادة الصلاة في عبادات الحياة , الاندماج الذي ينبثق من طبيعة الإسلام, ومن غاية الوجود الإنساني في التصور الإسلامي. ويبدو السياق موحيا هذا الإيحاء اللطيف ... إنّ هذه عبادات .. وطاعة لله فيها من جنس طاعته في الصلاة .. والحياة وِحْدة .. والطاعات فيها جملة ... والأمر كله لله ... وهو منهج الله للحياة ... "93

مثال آخر وشاهد آخر يبدو فيه توقف سيد أقطع وورعه أبلغ وذلك عند تعرضه لتفسير قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ....... والله يحب المحسنين} [المائدة 93] يقول الأستاذ عبد الفتاح الخالدي: "والذي استوقفه في الآية هو تركيبها ودلالته, حيث كررت التقوى مع الإيمان والعمل الصالح مرة ومع الإيمان مرة ومع الإحسان مرة. اطّلع على تعليلات المفسرين , فلم يجد فيها ما تستريح إليه نفسه .. وأثبت في الطبعة الأولى من الظلال تعليلا لم يرتح إليه , وتراجع عنه في الطبعة المنقحة .. وأحسن تعليل وجده عند إمام المفسرين أبي جعفر ابن جرير الطبري , ولكنه ليس مقنعا ولا شافيا , ولم يرتح له الارتياح الكامل ... وبعد تفكير طويل استمر ما يقارب عشر سنوات أعلن عجزه عن تفسير مقنع شافٍ مريح , لأنّ الله لم يفتح عليه في ذلك .. فقال:"وأنا اللحظة لا أجد في هذا القول (قول الطبعة الأولى) ما يرح أيضا ... ولكنه لم يفتح عليّ بشيء آخر .. والله المستعان .. "

الهوامش:

1 ألم يكن الصواب أن يقال إنّ المسائل الفقهية مصدرها كتاب الله وكذلك الكلامية واللغوية لكن سيد أراد اجتناب هذه المباحث لكي ينظر إلى القرآن الكريم من زاوية أخرى غير زاوية المتكلم والفقيه هي زاوية الأديب الناقد المكتشف لنظرية التصوير وزاوية المفكر الإسلامي الذي يريد بيان عظمة الإسلام في مناهجه في تشريعاته في غاياته ... وأكثر من ذلك كلّه من زاوية الداعية الذي يريد البحث عن منهج القرآن في الدعوة والحركة ... وهو في ذلك يشبه الفقهاء الذين فسّروا القرآن الكريم فقط ببيان أحكامه ثم الالتفات إلى باقي مباحثه ...

2 المنهج الحركي في ظلال القرآن , د. صلاح عبد الفتاح الخالدي , دار الشهاب ص 103

(2) مقدمة الطبعة الأولى للظلال.

3 خصائص التصور الإسلامي ومقوماته , سيد قطب , دار الشروق بيروت الطبعة الثامنة ص 15

4 "في ظلال سيد قطب لمحات من حياته وأعماله ومنهجه التفسيري" دار العلوم القاهرة

5 المصدر السابق نسخة خاصة منزلة من الشبكة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير